الخميس 2 أكتوبر 2025 01:14 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

أشرف محمدين يكتب: نقاء النفس: معركة الانتصار على الذات في زمن الضجيج

النهار نيوز

في عالم يموج بالصراعات اليومية، حيث تتصادم الطموحات وتختلط المظاهر الخادعة، يبقى الإنسان النقي المتصالح مع ذاته نادرًا ككنز لا يقدر بثمن. فهو لا يلهث وراء إثبات الذات للآخرين، ولا يحاول فرض حضوره بالصوت العالي أو التصنع، بل يترك أثره بصمت، كنسمة هواء باردة في يوم خانق.

النقاء الداخلي لا يعني الكمال أو الخلو من العيوب، بل هو القدرة على قبول النفس كما هي، والتصالح مع نقاط الضعف والقوة على حد سواء. فالإنسان الذي يعرف كيف ينظر إلى نفسه بصدق، دون تزييف أو تجميل، هو القادر على مواجهة الحياة بثبات، بعيدًا عن المقارنات ونظرات الآخرين.

في هذا السياق، يظهر النقاء كحكمة، وليس سذاجة. فالبقاء على قلب نظيف لا يعني تجاهل قسوة العالم، بل يعني اختيار ألا تسمم هذه القسوة الروح. القدرة على الابتسام رغم التجارب القاسية، والبقاء شفافًا رغم الخيبات، هو أقصى درجات القوة الداخلية. والإنسان المتصالح مع ذاته لا يسعى للانتصار على الآخرين، لأنه أدرك أن المعركة الحقيقية تدور داخله، وأن التغلب على الأنا والغرور هو أعظم انتصار يمكن أن يحققه البشر.

كثيرون يبحثون عن السلام في المال أو السفر أو العلاقات، بينما يجد الإنسان النقي السلام في قلبه. فهو يدرك أن السعادة ليست في امتلاك كل شيء، بل في الرضا بما هو بين يديه. يرى الخير في نصيبه دون حقد على نصيب الآخرين، ويمتلك القدرة على مد يد الرحمة للآخرين، حتى لو لم يتلقَ مثلها.

أجمل ما يميّز هذا الإنسان أنه يشع الطمأنينة أينما وُجد. لا يسعى لإرضاء الآخرين أو التظاهر، بل يعيش راضيًا عن ذاته. لا تهزه الانتقادات ولا يسيطر عليه الغضب أو الحزن، لأنه يعلم أن هذه المشاعر عابرة، وأن الجوهر الحقيقي للروح يبقى ثابتًا.

الإنسان النقي المتصالح مع ذاته هو المرآة التي يحتاجها المجتمع، ليذكرنا أن البساطة ليست عجزًا، وأن الرضا ليس استسلامًا، وأن القوة الحقيقية تقاس بالقدرة على السيطرة على النفس لا الآخرين. إنه الضوء الخافت الذي يبدد شيئًا من عتمة النفوس، ويثبت أن الطمأنينة والسلام يبدأان من الداخل قبل أن يبحث عنهما الإنسان في الخارج.