من غــــــزة إلى القاهرة في حُب ”بيبو”
سعيد أبو غـــزة يكتب: محمود الخطيب... أسطورة لا تُمحى، عِشق لا يُفسَّر


في كل زمان، تولد أسماء تبقى خالدة، لا تُنطق إلا ويرافقها الحب، ولا تُذكر إلا وتضيء الذاكرة بوهج من المجد، ومن بين تلك الأسماء التي لا تُنسى، يقف اسم محمود الخطيب شامخاً، كقصيدةٍ صنعتها كرة القدم، وكأسطورة نقشت حروفها في قلوب العاشقين.
ليس مجرد لاعب، وليس مجرد رئيس لنادٍ هو الأكبر والأعظم في القارة، بل هو أيقونة، حالة متفردة، كأن كرة القدم حين أرادت أن تتجسد في إنسان، اختارته ليكون تجليها الأجمل. لم يكن لاعباً، بل كان سيمفونية تنساب بين الأقدام، لم يكن مجرد قائد، بل كان روح الأهلي التي تنبض في كل قلب عاشق لهذا الكيان.
الخطيب لم يلعب الكرة، بل كان يُغنيها، كان كل لمسة من قدمه قصيدة تُحكى، وكل هدف يرسم لوحة يُخلدها الزمن، لم يكن لاعبًا يجري خلف الكرة، بل كانت الكرة تهفو إليه، تنحني أمام موهبته، وتُطيع أمره كأنه أميرها وسيدها.
وحين انتقل من الملعب إلى القيادة، لم يتغير شيء، ظل القلب كما هو، ظل العشق كما هو، ظل الأهلي في روحه كما كان منذ أول يوم، وكأن الأهلي يسري في دمه، وكأن حب الجماهير كُتب له بمداد لا يمحوه الزمن. لم يكن رئيساً عابراً، بل كان القائد الذي يُلهم، الذي يُحافظ على الإرث، الذي يجعل الجميع يؤمنون أن الأهلي سيظل عظيماً، لأن فيه رجالاً من طينة محمود الخطيب.
إنه ليس مجرد رئيس نادٍ، بل هو رمز، هو ذاكرة تحمل في طياتها أمجاداً لا تُمحى، هو اسم حين يُنطق، تتبعه قلوب ملايين المحبين، وهو رجلٌ صنع المجد لاعبًا، ثم أكمله قائداً، وهو في كل ذلك، ظل محمود الخطيب الذي لم تغيره الأيام، ولم تُبدله المناصب، فبقي كما هو... عشقاً خالداً في قلوب العشاق.
الخطيب لم يكن لاعباً عادياً، كان قصيدة تمشي على العشب، وابتسامة هادئة تحرس العاصفة. ثم ارتدى عباءة القائد، ليقود الأهلي من منصات اللعب إلى منصات الإدارة، دون أن يخسر نقاءه، أو يبدّد حلمه بأن يظل الأهلي كبيراً كما عرفه دائماً.
واليوم، وهو يختار الانسحاب من ضجيج الإدارة ليتفرغ لعلاج جسده، يدرك محبّوه أن الحب لا يُعتزل، وأن من نقش اسمه في وجدانهم لا يرحل بمجرد قرار إداري، سلامة قلبك يا بيبو، وكلنا ثقة وإيمان أنَّ النادي الأهلي ومصر العظيمة بأبنائها ولادّة بالعاشقين للكيان الأحمر الذي يحتل عرش الصدارة في الوطن العربي ليس من حيث الإنجازات والبطولات فحسب، بل بعظمة التاريخ وحُسن الإدارة و التمسك بالثوابت والقيم التي جعلت منه أنموذج نفتخر به كعرب.
الخطيب لن يكون يوماً رئيساً سابقاً ولا نجماً معتزلاً… الخطيب هو ذاكرة الفرح، ووجه الأهلي الذي لا يشيخ.
ملاحظة: هذه الكلمات الخارجة من أعماق القلب، كُتبت من غزة الجريحة، تحت أزيز الطائرات ووهج القصف، حباً في "بيبو" الذي لم يعرف سوى النُبل، وحباً في مصر العظيمة التي كانت ولا تزال شقيقة الروح، وملاذ الحلم في زمن العتمة. مصر العظيمة… الأم التي تظل، حتى في عيون المنكوبين، ضوءاً يبدّد عتمة العالم.
* كاتب فلسطيني