المتسلقون على جدار التطوع.. بين الزيف والحقيقة


في كل زمان ومكان، يخرج علينا من يزين لنفسه ثوب الفضيلة، فيرتديه على عجل ويقف أمام الناس متباهيًا بما يظنه سعيًا وعطاءً، وهو في حقيقته أبعد ما يكون عن جوهر العمل التطوعي. هؤلاء الذين يتخذون من شعار "خدمة الناس" سلّمًا للصعود أو وسيلة للظهور، لا يدركون أن التطوع ليس صورة تُلتقط ولا خبرًا يُنشر، بل رسالة نقاء وإخلاص تتجسد في فعل صادق وأثر نافع.
العمل العام والتطوعي ليس بضاعة رخيصة يروّجها أصحاب الشعارات، ولا ميدانًا يتزاحم فيه طلاب المجد الزائف، بل هو ميدان الرجال الذين يضعون المصلحة العامة فوق كل اعتبار، ويغرسون بذور الخير بصمت، لا ينتظرون جزاءً ولا شكورًا. ومن المفارقة أن بعض من يرفعون أصواتهم بالحديث عن العطاء، هم أول من يتخاذل إذا طُلبت منهم خطوة جادة، وأول من يتوارى إذا جاء وقت الفعل.
إن أخطر ما يواجه العمل التطوعي اليوم ليس قلة الموارد ولا ضعف الإمكانات، بل هو تشويه المفهوم ذاته على أيدي هؤلاء المتسلقين، الذين يختزلون التطوع في لافتة أو صورة، وينسون أن جوهره تكافل إنساني، ومسؤولية أخلاقية، وموقف وطني نابع من ضمير حي.
لقد علّمنا التاريخ أن من يخدم الناس بصدق لا يحتاج إلى دعاية، فالأثر يشهد له، والعمل النبيل يفرض حضوره دون صخب. أما الذين يتشدقون بالإنجازات الوهمية، فسرعان ما ينكشف زيفهم، وتذروهم رياح الحقيقة كما تذرو الرياح غبارًا في مهب الفضاء.
التطوع – في معناه الأصيل – تضحية بالوقت والجهد لأجل الآخرين، وهو امتحان حقيقي للنفوس، يميز الصادق من المدّعي، والمخلص من الباحث عن مجد شخصي. ومن أراد أن يكون في ركاب المتطوعين، فليحمل قلبًا نقيًا ويدًا عاملة، لا لسانًا متباهيًا ولا صورةً جوفاء.
فليُدرك هؤلاء أن خدمة الناس لا تقاس بعدد الصور المنشورة ولا بعدد الألقاب المضافة، بل بمدى ما يتركه المرء من أثر طيب في حياة الناس. وما أجمل قول الشاعر:
> إذا استطعتَ أن تُسعِدَ إنسانًا واحدًا بصدقٍ، فقد ربحتَ الدنيا وما فيها.