الكاتب الصحفي مصطفى جمعة يكتب:حكاياتنا الشعبية القنائية لوحات ابداعية تتفجر بالصدق والفن


(.الفنون الشعبية القنائية وحي من نبع الحياة و رمزاً صميماً لأصالتنا فى أروع معانيها ، وعمق بساطنها وصفاء سجيتها وروعة مكانتها ويظهر هدا جليا في اللوحات الاستعراضية التي قدمتها الفرقة والتي استمدت من حكاياتنا الشعبية التى تعد من أهم ذخائرنا ، ونفائس تراثنا المتدفق من أعماق جذورنا الضاربة فى إغوار الماضى ، وسجل حاضرنا
وفرقة قنا للفنون الشعبية التي تأسست مثل هذه الايام في أوائل الستينات من القرن الماضي ،و تعد تاريخيا واحدة من الثلاثة الكبار في مصر مع فرقة رضا و الفرقة القومية كانت ومازالت "تبلوهاتها"الراقصة ، تتفجر بالصدق والفن ،صورنا فيها باجسادنا وقائع تصور انفعالات مجتمعنا القنائي فى أفراحه واتراحه ، فى جموده وانطلاقاته بإحساس غني بالمعاني ، والإجتراحات الفريدة، على صعيدي الشكل والمضمون. حتى انه شبهت بانها لوحات على صدر الزمن .
ويكفي قنا فخرا ان هذه الرقصات اصبحت تدرس في اكاديميات الفنون في عدة دول من قارات العالم لصدقها وروعة تجسيد راقصيها للكلمة والجملة الموسيقية في لوحات تشكيلية بارعة الرسم .ومنها رقصات :السد العالي التي تقول كلمات أغنيتها خبر ايه ...خبر ايه.. خبر ايه ...القطر اتأخر ليه ...ياخبر ليفوت طوالي ...ورئيسنا وعدنا عليه ...جنروح يابوي على اسوان ...حنقضي فيها ايام وليالي ...جدي يابوي بني الخزان ...وانا اللي حبني السد العالي ، كلمات في منتهى العبقرية كتبها المبدع سيد جسور ابو الفنون الشعبية في قنا لخصت اللحظة ، وأرخت للحدث ، وشحنت الوجدان بعشق الانتماء واعطت دوافع وحوافر للبناء وابرزت التحدي في وجه الاعداء واعطت للدنيا درس في الاصرار على البقاء في عزة واباء .
لم تكن كلمات رقصة التحطيب التي لحنت من قبل حامي التراث الشرقي واستاذ الاجيال المايسترو الكبير جهلان ، وانما كانت لوحة فنية جسدتها اجساد تميزت بالرشاقة وتمتعت بالمهارة وحسن الاداء ، فكانت الفرقة الاولى في الشرق الاوسط للفنون الشعبية التي حولت الطقس المحلي الي رقصة عالمية، رقص على ايقاع خطوات راقصيها رفاق العمر الحاضرون او المسافرون الي حيث النور أصحاب الطموح اللامحدود الذين طرقوا أبواب المستحيل طرقاً عنيفاً وأحالوه إلى واقع ملموس يلهم العبر و الدروس من ارواحهم وجهدهم ومثابرتهم وتحديهم لكل الظروف بما فيها الواقع الاجتماعي ، ولذلك حازت على كل الاهتمام داخليا وخارجيا ، بل كان لها الفضل ان تلفت انتباه منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" إلى التحطيب بعدما حولتها فرقة قنا الي رقصة شعبية تفوقت بها على فرقتي رضا والقومية والدليل ان التسجيل الذي استند عليه "اليونسكو "لضم التحطيب الي قائمتها التمثيلية للتراث الثقافي للبشرية خلال اجتماع لجنة التراث الثقافي غير المادي الذي انعقد في إثيوبيا يوم الاربعاء 30 نوفمبر من العام 2016 كان لفرقة قنا للفنون الشعبية في حفلتها التي قدمتها على مسرح السامر بالعجوزة ونقلها التلفزيون المصري على الهواء مباشرة .
والتحطيب لعبة الشجعان قديمة قدم التاريخ بل بدات قبل ظهور الحضارة نفسها و تركت لنا العصور الحجرية القديمة وعصور ما قبل التاريخ العديد من الرسوم المنقوشة على صخور التلال الحجرية للمعابد المتناثرة فى مصر بامتداد النيل وبصفة خاصة على جدران معبد الكرنك ومنها خرجت جميع أنواع العاب المبارزة ، ولعب التحطيب دورا كبير في تدريب الجنود المصريين بعدا منع الغزاة الهكسوس عليهم حمل السلاح "المحروسة" ، وابتدعوا التحطيب للتدريب وكانوا اول من علموا الانسانية التدريب على النماذج لتقريب الحقيقة. التي كانت وراء انتصارنا عليهم وطردهم من مصر بعد 100 سنة احتلال بقياة احمس الاول مؤسس بداية حكم الاسرة الثامنة عشرة لمصر الموحدة، وهي الأسرة التي ابتدأ بها عصر المملكة الحديثة في 1558ق.م.
وتميزت رقصة "القلل التي احدثت بما يشبه الثورة عند عرضها في القاهرة من حيث الاداء والكلمة والجمل الموسيقية والكلمة التي قالت:الصيف ما بقاش عندنا حاجة...وقدرنا نقابله بميت حاجة
عندنا تكييف من صنع لطيف...واحنا اللي بدعنا التلاجة ...تلاجة بلدي وشعبية...مضمومة يا بوي مية المية...وتمنها قرش يا بلدية...أرخص من كده عاوز حاجة...الصيف ما بقاش عندنا حاجة:.علاوة على تابوهات ،القهوة والسوق والتحطيب وياقناوي والربابة.
و احقاقا للحق صور الحياة في قنا وبما تحفل به من انشطة هي لوحات على صدر الزمن حيث كانت اول من عرفت فن “النحت” والذي كان يعبر عن المنطقة وتوجهاتها ومعاركها وابطالها ، وهو ما يظهر في الجداريات والمنحوتات ليعقبها بعد ذلك حقبة الموسيقى التي لا يمكن تناولها من دون الرقص. وحتى الأشعار التي تغنى مع كل رقصة كانت تأتي وفي ذهن شاعرها اللحن والرقص
قنا هي عبقرية الزمان والمكان ويكفيني فخرا اني منها وكنت ذات يوم عضو في فرقة قنا للفنون الشعبية التي ضمت على مدى تاريخها العديد من المبدعين الموهبين بدأ من جيل المؤسسين ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الرائع محمد حسن وصفوت لبيب وعزالعرب الديري وعبده مرتضى مرورا برمضان محمود وسمير ارمندو وفاضل ومحمد كشك وعبدالوهاب معوض ومصطفى ابوالمجد واحمد عاشور وبهاء عيسى وشقيقه ضياء ومها فتحي وزيري وصولا الي احمد فؤاد ورفاقه
وللتاريخ وللامانة يجب ان نقف احتراما وتقديرا للملحنين العباقرة الذين تعاقبوا على تقدم اعذب واجمل واروع الالحان للفرقة وهم القيمة جهلان والاسطورة احمد علي والعبقري عبده اسماعيل .
شكرا الي "قنا" الارض التي ربتنا والهمتنا تراث لا يفنى وحضارة لا تموت ومواهب شاهدة على ان قنا موطن الإبداع والإلهام التي كانت لي فيها ايام مليئة بكل الوان البهجات ، رسمت في أعماقي قلب عشقت به الجمال ونبض يغرد تحت الضلوع مطمئنا في حماها حتى بلع من حنوها منتهاه.