الكاتب الصحفي مصطفى جمعة يكتب : ”كارتليس ديدا”…الحب من اول نظرة

وحدها جورجيا صبية واسنة مضطجعة على صدر البحر الاسود، تشدو تراتيلها وترخي أحلامها وتجدل أمواجها وتفرز زهورها المتنوعة والمتعددة رائحة العطر من كل دربها فهي قدرها كما قال شعراؤها انها «جوهرة الحب» رغم انف ابن رحمها ستالين الذي تسلم مقاليد الحكم في الاتحاد السوفيتي بعد عجز قائد الثورة البلشفية فلاديمير لينين ووازهق ارواح 50 مليون نسمة.

واذا كانت جورجيا «هي الدنيا» فان عاصمتها تبيلسي "ام العجائب"، فهي تقع في وسط المنطقة الشرقية وتمتد على سفوح جبال الترياليتي و يخترق وسطها (نهر كورا). ووفقا للأسطورة الجورجية فإن تبليسي سميت بهذا الاسم لأن ملك جورجيا كان خارجا للصيد، وأثناء الصيد أطلق على طائر فوقع في منطقة ينابيع ساخنة، وعندما وجده الملك انبهر بالمنطقة و قرر أن يبني مدينة على أطراف هذه الينابيع، وأطلق عليها اسم «تبلي» وهي كلمة جورجية تعني «دافئ» ومن هنا جائت تسمية هذه المدينة.

ويقال في جورجيا ان من لم يزر ام الجورجيين فلم يتعرف على هذا البلد وهو تمثال يقع على قمة جبل «سولولاكي». حيث يمثل هذا التمثال للجورجيين كل شيء.

"يد تحمل السيف لمن يريد الحرب و اخرى تحمل النبيذ لمن يريد السلم" هذا المعنى من تمثال المرأة الأم او"أم الجورجيين" او "كارتليس ديدا" الذي يريد ان يؤكد أن الوطن هو الأم التي تحتوي اولادها وتحميهم.

و التمثال وضع فوق هذا الجبل العالي ليرى من كل تبليسي و شيد من الاولمنيوم بارتفاع 20 متر في العام 1958 بمناسبة احتفال المدينة بعيد ميلادها ال1500.

و انعش هذا التمثال ذاكرتي وجعلني استرجع ما شاهدته من تماثيل الام اثناء تجوالي في جمهوريات الاتحاد السوفيني العظيم ، ففي فولغوغراد بروسيا يوجد أعظم تمثال لامرأة في العالم منذ العام 1967 ويحمل اسم "الوطن الأم ينادي"

على هضبة ماياييف كورغان التي تطل على مدينة ، وهو يعتبر تمثالاً قيّماً من الناحية الهندسية. فالمرأة ترفع السيف بشكل عمودي وتمدّ يدها الأخرى كأنها تدعو أبناءها لحضنها. يبلغ ارتفاع النصب من قاعدته وحتى أعلى السيف 85 متراً .

كما يوجد تمثال مشابه له في كييف عاصمة أوكرانيا حيث يرتفع نصب تمثال الوطن الأم" وهو مصنوع من الفولاذ ويبلغ ارتفاعه نحو 102 متراً وقاعدته ضمناً، ويمثل امرأة ترفع سيفاً يبلغ 16 متراً ويزن 9 أطنان بيد، وباليد الأخرى درع المطرقة والمنجل السوفياتي. أنجز هذا النصب على ضفة نهر الدنيبر ويحتوي على منصة للمراقبة حيث يمكن مشاهدة العاصمة الأوكرانية والقبب الذهبية للكاتدرائيات

وتمثال ثالث في يريفان عاصمة أرمينيا يسمّى "نصب أرمينيا الأم" وهو يجسد الشهيدة الأرمنية "صوصى مايريك". النصب مصنوع من البازلت والنحاس ويبلغ طوله حوالى 51 متراً مع قاعدته

اما في البانيا فيوجد تمثال ولكن لا يتعدى ارتفاعه ال12 متر ويمثل الوطن كأم تحرص على أرواح أبنائها الذين قضوا في الحرب العالمية الثانية وهو موجود في مقبرة لـ 28000 شخصاً قتلوا في تلك الحرب

ولا تتوقف روعة فن النحت على تمثال ام الجورجيين بل هناك ابداع اخر الا وهو تمثال «علي ونينو»، الذي صممه النحات الجورجي تمارا كفيسيتادزي، بطول يبلغ ثمانية أمتار على ساحل البحر الأسود، وتم تثبيته في العام 2010 الذي يجسد قصة عشق بين الرجل المسلم «علي » و الأميرة نينو، المسيحية الأورثوذوكسية اللذان جمعهما الحب وفرقهما القدروقد تحولت الي فيلم و التمثال متحرك صنع من الأسلاك الفولاذية المعدنية الصلبة على شكل حلقات مفرغة، على شاطئ مدينة باتومي لتتشابك وتشكل جسدي رجلٍ وامرأة من دون ملامح واضحة عند غروب الشمس وهو يتحرك بشكل دائري؛ فيتقابلان ثم يتعانقان ليتحد جسداهما ويصبحا شخصاً واحداً لثوانٍ قليلة، ثم يمر كل منهما مكملاً طريقه بمفرده

ويوجد قرب التمثال والقلعة شجرة عمرها نحو (400سنة) يلف كل من زار هذه الشجرة قطعة قماش ويسميها الجورجيون (شجرة الامنيات) وبالقرب منها حديقة النّباتات التي تحتوي على (3) آلاف من النّباتات والأشجار المتنوّعة والمختلفة، كما تضُمّ العديد من ينابيع المياه والبُحيرات الصّغيرة، إضافة إلى شلّال غزير، ومناظر خلّابة وطبيعة رائعة.

وتتميز جورجيا بالمرتفعات والأنهار والبحيرات ويشق اراضيها أربعة أنهر رئيسة، وتقع فيها بحيرات مياه عذبة مدن صغيرة ذات طبيعة زراعية ولكنها مأهولة بالمعالم العمرانية المتواضعة، واينما تشيد تلك المدن ترى اثراً لمجرى نهر (التكواري) الذي ينبع من الاراضي التركية ، اما الارض تفترش الطبيعة عليها سحرا من نوع متميز ينطبق عليها وصف ارض الينابيع الحارة.