الثلاثاء 19 أغسطس 2025 03:55 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

أيمن سلامة : متي تنجح الوساطة الدولية في السودان ؟

النهار نيوز

احتد سُعار الحرب حامية الوطيس في السودان، ولم تعد ثمة كوة واحدة لتسوية النزاع بين الجنرالين المتحاربين أعداء اليوم و أصدقاء الأمس ، وحتي الهدنة الإنسانية المؤقتة لتأمين الممرات الإنسانية في هذا البلد المكلوم أخفقت غير مرة ، وصار سكان المدنيين في البلد الطيب السودان وقودا و حطبا للحرب المستعرة منذ عشرة أيام .

تواترت الأنباء بين الفينة و الفينة عن جهود الوساطة الدولية التي تقوم بها دولة ثالثة، و المنظمات العالمية والإقليمية للقيام بآلية الوساطة التي نصت عليها كافة مواثيق المنظمات الدولية لتسوية النزاعات بين الدول ، فقد تواتر الأنباء اليوم ،الإثنين ، حول وساطة رباعية دولية تقودها الولايات المتحدة و السعودية و الإمارات العربية و مصر لعقد مفاوضات في الرياض ،ترعاها هذه الدول بين الجنرالين المتحاربين ، كما تواترت الأنباء أيضا عن عرض جهود الوساطة من تركيا و إسرائيل ، ومنظمة الإيجاد .

تعد الوساطة الدولية أحد أهم أدوات التسوية الدبلوماسية السلمية للنزاعات الدولية، وأسبغت الممارسات الدولية فضلا عن المواثيق الدولية على الوساطة الأسس والأركان والمتطلبات القانونية التي لا يجوز تجاهلها أو الحيف بها عند ممارسة الوسيط الدولي جهوده التوسطية المحمودة .

مِن المهم بمكان الإشارة لأهم الخصائص المُؤَسِسة لألية الوساطة، فالأخيرة مقارنة بالقضاء الدولي، لا تعد وسيلة إلزامية لتسوية النزاع الدولي بين أطرافه من الدول، ويُمكن تفسير ذلك تأسيسا علي خصائص وأسس ومتطلبات الوساطة ذاتها، فالوسيط الدولي لا يطمح إلي تحقيق مصلحة ذاتية من وراء مبادرته بتقديم مقترحه بالوساطة إلا المساعدة في تسوية النزاع ، وليس ثمة مُوجَب دولي علي الدول أطراف النزاع بقبول وساطة الوسيط الدولي سوي رغبة الدول في تسوية النزاع ومنع تَفاقمه .

جَليٌ أن مُقترح الوسيط الدولي على اطراف النزاع الدولي لا يَصير حلاً للنزاع إلا بموافق كافة الدول المتنازعة على ذلك المقترح، وتَذخر النزاعات الدولية بالأمثلة الكثيرة التي رُفضت فيها العروض التلقائية التي قامت بها الدول للوساطة بين الدول المتنازعة، فقد رفضت تركيا الوساطة التي اقترحتها الولايات المتحدة الأمريكية لتسوية النزاع التركي الإسرائيلي علي خلفية حادثة "السفينة مرمرة " في عام 2010، كما رفضت أثيوبيا وسم الجهود التوفيقية التي قامت بها الولايات المتحدة عامي 2019 و2020 لتسوية النزاع حول سد النهضة بأنها وساطة دولية، ورفضت أثيوبيا مؤخراً الوساطة الرباعية التي اقترحتها السودان وأيدتها مصر لتسوية النزاع المتفاقم حول سد النهضة .

.قد تتقدم دولة واحدة بالمبادرة بعرض وساطتها علي أطراف النزاع وهذا هو الغالب، وقد تتقدم بها مجموعة من الدول كذلك، ومن الأمثلة الصارخة في هذا المقام تلك الوساطة التي بذلتها مجموعة من الدول هي مصر، كمبوديا، بورما، سيريلانكا، غانا، إندونيسيا، وقادت هذه الدول جهود تسوية النزاع الحدودي بين الهند والصين عام 1962، ومثلما تقوم الدول بجهود الوساطة تقوم المنظمات الدولية كذلك بذات الدور، ويكفينا في هذا المقام الاستشهاد بالوسيط الأممي الكونت "برنادونت"، الذي عَينه مجلس الأمن في 20 مايو 1948 لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي المسلح في فلسطين، ومن بعده الدكتور "رالف بانش" الذي قادت وساطته إلي إنهاء الحرب الفعلية بين الدول العربية وإسرائيل عام 1948

إن ابتعاد الوساطة من الإجراءات الشكلية يضفي عليها صفة المرونة والتوافق وعدم التعقيد ، بحسبان أنها معدة أصلاً لتحقيق حل النزاع بشكل ودي يحفظ مصالح المتنازعين واستمرار العلاقة بينهم، ولقناعتهم ورضاهم بهذه الوسيلة كونه لا يوجد فيها رابح أو خاسر.

إن قلة الشكليات ومرونة إجراءات الوسائل البديلة في تحديد المهل ،وعدم ارتباطها إجمالاً بشكليات مُحْكمة يعزز من مكانة وفعالية الوساطة كوسيلة من وسائل التسوية السلمة للنزاعات الدولية ، و العوامل و الخصائص المشار إليها ، والتي تتمتع بها الوساطة أصبحت عوامل أساسية في تأثيرها على حل النزاعات ، وإيجاد حلول ذات طبيعة توافقية وتصالحية.

لنجاح الوساطة لا بد ان يتمتع الوسيط الذي يقوم بها بخبرة وكفاءة مشهود بها تخوله اتقان المراحل العملية للوساطة ليتمكن من الوصول إلى حل يرضي الطرفين، فبدايةً لحظة التعاقد على الوساطة بين الوسيط وأطراف النزاع يجب تقديم شرح الآلية الوساطة ووضع البنى الأساسية للعمل وتحديد أدوار أطراف النزاع ثم تأتي مرحلة معالجة مواضيع

أما بخصوص اختيار الوسيط ، فلا مناص ألا يكون من بين أطراف النزاع ، ولا يهدف من وساطته لتحقيق مصالحه الذاتية ، ويتمتع بالكفاءة والنزاهة والحياد، ويمتلك الخبرة ، ويكون موضع ثقة لدى المتنازعين الذين يقع على عاتقهم موجب التعاون معه ليضع خبراته، ويقدم لهم الاقتراحات والتوصيات لحل النزاع، بعد أن يكون قد قدّم ما لديه من مهارات بغية تقريب وجهات النظر بين المتنازعين.

وينبغي على الوسيط أن يكون قد وافق على المهمة الموكلة إليه، فلا يمكن إكراه الوسيط على قبول هذه المهمة بحل النزاع، وكلّ إكراه من هذا النوع يفسد طبيعة الوساطة ، ويؤثر سلباً على النتيجة المرجوة من قبل المتنازعين بتقديم الحل الذي من إنهاء النزاع.

النزاع من خلال جمع المعلومات وتحديد النقاط المتفق عليها ونقاط الاختلاف بين المتنازعين وينصب العمل على تحديد الأمور التي يجب البت فيها. ومن بعدها يتم تحليل المعلومات ليتمكن الوسيط من طرح الخيارات على المتنازعين ومن ثم تقييمها لمعرفة مدى ملاءمتها للأهداف المرجوة وأخيراً يقوم الوسيط بصياغة مسودة للاتفاقية النهائية ومراجعتها من قبل المتنازعين.