أيمن سلامة : دهوك - العراق ....................وانتهاكات القانون الدولي الإنساني .


شَدّد أب القانون الدولي الفقيه الهولندي "غروشيوس "في كتابه السلم والحرب عام 1625 أول من أكد على ضرورة فرض قيود على القوة التدميرية للأسلحة ، وكان هذا المبدأ هو المبدأ الذي يتصدر المبادئ التي تم الاعلان عنها في إعلان سان بطرسبرغ عام 1868 والذي حظر استخدام بعض الاسلحة ذات الإصابات المفرطة والالآم التي لا مبرر أو طائل منها لها ، ثم أتت اتفاقية لاهاي عام 1907 في المادة (22) و أكدت ذات المبدأ حيث أشارت إلي : ( ليس للمتحاربين حق مطلق في اختيار وسائل الاضرار بالعدو ) وإذا كان النص يشير إلى تقييد آني للمتحاربين في استخدام وسائل مفرطة الضرر بالعدو ، فإنه يتضمن أيضا عنصرا غائيا وهو ألا يكون العدو عرضة لتقنيات وتجارب الأسلحة قد تكون غير معروفة الآثار، وقد تزيد من الآم الاشخاص الذين يتعرضون لنيرانها ، وبهذا فإن المادة (22) أسست لمعيار يعتد به في حظر استعمال أسلحة قتال إذا كانت مصممة صلاً أو بطبيعتها تتجاوز الغاية من مهاجمة اأهداف العسكرية وصولاً إلى أحداث نتائج مفرطة الضرر بالعسكريين والمدنيين على حدٍ سواء ، ولا حاجة في هذا السياق للتدليل علي الانتهاك الجسيم لهذه القاعدة العرفية من قواعد القانون الدولي الإنساني كما شددت علي ذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
جلي أن مبادئ القانون الدولي الإنساني تسبغ مناعة وحصانة ، وحماية للمدنيين العزل غير المشتركين في النزاعات المسلحة ، وبعبارة أخري ينص المبدأ الرئيسي في اتفاقيات جنيف ،علي احترام الاشخاص غيرالمحاربين خارج المعركة ، والذين لا يشاركون مباشرة في القتال ، ولذلك يجب ان يُحموا ويعاملوا معاملة إنسانية ، ويرتبط بمبدأ التمييز بين المحاربين و غير المتحاربين أثناء النزاعات المسلح ما نصت عليه المادة 35 في البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف ، وبصيغة مقاربة للمادة (22) من اتفاقية لاهاي لعام 1907 بالقول ( ان حق أطراف أي نزاع في اختيار وسائل اساليب القتال ليس حقاً لا تقيده قيود ) وجاء في الفقرة الثانية من نفس المادة بالقول ( يحظر استخدام الأسلحة والقذائف والمواد ووسائل القتال التي من شأنها إحداث إصابات والآم لا مبرر لها ) ولذلك أرادت هذه الفقرة احتواء حالات القتل غير المبرر أو غير الضروري سواء كان ذلك للمدنيين والعسكريين ، كما تطرق البروتوكول أيضا إلى تقييد الأطراف المحاربة في اللجوء لاستحداث أسلحة جديدة في مجال شرعية أو حظر استعمال أسلحة جديدة ، وذلك في المادة (36) من نفس البروتوكول التي ذكرت بأنه ( يلزم أي طرف متعاقد عند دراسة او تطوير أو اقتناء سلاح جديداً وأداه للحرب او اتباع أسلوب للحرب ،أن يتحقق فيما إذا كان ذلك محظور في جميع الأحوال بمقتضى هذا الملحق أو أية قواعد أخرى من قواعد القانون الدولي التي يلتزم بها الطرف السامي المتعاقد ) وبمعنى آخر فإن هذه المادة تطالب بمراجعة وسائل القتال ودراستها والكشف عن مدى انسجامها مع المعايير الدولية المتبعة اثناء النزاعات المسلحة .
أما مبدأ الضرورة العسكرية وهو أحد المبادئ الاساسية العامة التي تنظم سير و شرعية العدائيات العسكرية بين المتحاربين ، فهو مبدأ يشكل مع مبدأ " الإنسانية " حجر الأساس ، إن صح التعبير ، للقانون الدولي الإنساني ، ويرتبط المبدأ بتحقيق الغرض من العملية العسكرية بأقل ضرار ممكنة ، ويمكن إجمال أهم الخلاصات التي تستنتج من هذا المبدأ في المسائل القانونية الآتية : إن القوة المستخدمة يمكن السيطرة عليها من الشخص الذي يستخدمها ، وتفهم السيطرة هنا بعدم العشوائية في استهداف الأشخاص و الأعيان ، وأن القوة المستخدمة تؤدي بطريقة مباشرة وسريعة لإخضاع العدو، و ان القوة المستخدمة لا تزيد من حيث تأثيرها عن الحاجة لإخضاع العدو، والا تكون الوسيلة المستخدمة محظورة دوليا .
يعد مبدأ التمييز من أهم مبادئ القانون الدولي الإنساني كونه يشكل ضابطاً اساسياً في إيجاد الحد الفاصل بين السكان المدنيين والمقاتلين والأعيان المدنية والأهداف العسكرية ، ويعد هذا المبدأ من أقدم المبادئ الإنسانية التي سنتها النواميس الطبيعية و الشرائع السماوية و المبادئ العرفية و التعاهدية للقانون الدولي الإنساني ، وقد أشار الفقيه جان جاك روسو لهذا المبدأ في كتابه الشهير ( العقد الاجتماعي ) عندما أدلي بأن الحرب هي علاقة بين دولتين وليست علاقة بين إنسان وإنسان آخر ، وأن الأفراد ليسوا أعداء إلا بصفة عرضية بوصفهم مقاتلين .
ويمكن القول أن هذا المبدأ ( مبدأ التمييز ) اتخذ طابعا قانونياً دولياً صريحاً بعد ابرام البرتوكول الاضافي الأول عام 1977 ، إذ أشارت المادة (48) منه بالقول ( تعمل اطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية ومن ثم توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها، وذلك من أجل تأمين احترام وحماية السكان والأعيان المدنية ؛لذلك فتركيا سواء لجأت للقوة المسلحة في العراق أو سوريا بمزاعم مؤسسة أو غير مؤسسة وفقا لقانون اللجوء للحرب ، فهي مقيدة بمبدأ التمييز في كافة العدائيات العسكرية التي تقوم بها وفقا للقانون الدولي الإنساني ، و يتصدر هذه الموجبات الدولية وفق ذلك المبدأ : الالتزام بوجوب التمييز في التخطيط للهجوم ، بين المدنيين وبين العسكريين وكذلك بين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية ، كما تلتزم بالتمييز في تنفيذ الهجوم ، أي أن توجيه العمليات العسكرية يكون ضد الأهداف العسكرية دون غيرها ، وفي الأخير تلتزم بضمان حماية المدنيين وتجنب تعريضهم لأية آثار بعد الانتهاء من تلك الهجمات ، على اعتبار أن تعريضهم للهجمات لا يمكن تبريره على أنه هدف عسكري .
لا تقتصر مبادئ القانون الدولي الإنساني التي تحكم سير العدائيات العسكرية بين المقاتلين علي ما سلف بيانه ، ولكن يعد أيضا مبدأ التناسب أحد المبادئ الحاكمة في ذات السياق ، و يقصد بهذا المبدأ أتخاذ كل الاحتياطات الممكنة عند اختيار وسائل القتال لتجنب إحداث خسائر في أرواح المدنيين أو إلحاق الاصابة بهم أو الإضرار بالممتلكات المدنية بشكل عرضي ، ويقيم هذا المبدأ التوازن بين الآثار المتوقعة من استعمال سلاح ما وبين تحقيق الهدف العسكري المنشود ،وبعبارة أخرى طرح هذا المبدأ الموازنة أمام القادة السياسيين والعسكريين قبل إقدامهم على استعمال السلاح وبين المتطلبات العسكرية والضوابط الإنسانية ، ولقد بَيّنت اتفاقيات جنيف لعام 1949 ،هذا المبدأ بشكل ضمني وذلك عند الاشارة إلى المخالفات الجسيمة في المواد (50،51،130،147) من الاتفاقيات الأربع ومن قبيل القتل العمد والأضرار الخطيرة بالسلامة البدنية وتدمير الممتلكات على نطاق واسع وبطريقة غير مشروعة وتعسفية، وقد أشارت لهذا المبدأ الفقرة ( 5 / ب ) من المادة (51) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 بالقول ( ...... والهجوم الذي يمكن يتوقع منه أن يسبب خسارة في أرواح المدنيين أو إصابتهم أو اضراراً بالأعيان المدنية ، أو أن يحدث خلط من هذه الخسائر والأضرار ، يفرط في تجاوز ما ينتظرأن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة مباشرة )