الثلاثاء 19 أغسطس 2025 03:53 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

هناء مهدي تكتب .. ”د.سعد ابن الجنوي” البصمة النفسية.. الأثر النفسي الذي أسسه المحيط والمواقف

النهار نيوز

كل الأحداث الجسيمة التي مرت بنا، قد يطويها النسيان في اللاشعور. لكنه لايمحي آثارها التي ستؤسس جذور مستقبلنا النفسي، وما قد يعترينا من هشاشة واضطراب ومرض..
يناقش الدكتور ابن الجنوي هذا الموضوع في محاضرته الموسومة ب "البصمة النفسية" متقصيا جوانب خفية من الحياة النفسية للكائن البشري، المشوبة بالمشاكل والاضطرابات والأمراض.
يؤكد الأستاذ سعد ابن الجنوي أن ما يعانيه الكائن البشري من اضطرابات ومشاكل واعتلالات نفسية، تتجذر أسبابها في عمق اللاشعور، هذه الاضطرابات تتناسل عن تاريخه القديم، عن الأحداث التي مرت به منذ الطفولة وتركت بصمتها في غياهب نفسه، وهي ما سترسم لاحقا تصوراته وأفكاره، وتؤسس الموضوع (الخارجي/ الداخلي) لمعاناته، هذه المعاناة ستعزز استراتيجياته في الدفاع النفسي، والمقاومة و الرفض وفرض الذات، والارتهان العاطفي للآخر، و للمواقف التي مرت بهذا الكائن، وأسست لتاريخه الملازم له، وهو القيد الذي سيكبحه طيلة حياته، ويحُول دون تحرُره وانبثاق ذاته.
ينتقل ابن الجنوي، بعد هذا التقديم، إلى صلب موضوع محاضرته: "البصمة النفسية". وفي سياق تعريفه لها، يميزها عن البصمات البيولوجية والوراثية الأخرى؛ فهي الآلية التي تكوّنت بها نفسية الشخص ومشاعره الداخلية؛ وهي الأثر النفسي الذي أسّسه المحيط والبيئة والمواقف، ليخلص إلى أن البصمة هي ما أثّر أو ما يؤثر، وليتساءل إن كان بالإمكان القول أن كل كائن له بصمته النفسية الخاصة التي تميزه وتفرده عن الآخر؟.
يتساءل الأستاذ المحاضر إن الكائن البشري مع تفرُّده وتميزه، يشكِّل الوعاء الذي يملؤه المجتمع؟ وهنا تحدث المفارقة لدى هذا الكائن الذي بقدر ما يبحث عن ذاته وهويته، لايفتأ يتماهى مع الآخر. هذا المركّب النفسي لدى الشخص، الذي يجعله يرغب في الذوبان في الآخر، يطور في نفس الوقت لديه رغبة في التميز والتفرد، وقد يلجأ للمعارضة سعيا إلى إبراز ذاته وخصوصيته واختلافه وتميزه.
هذا الاختلاف الذي يندرج حسب نوع البصمة التي يحملها الشخص، والتي أسسها المحيط والبيئة والمواقف التي مر بها (تاريخه)، "يمكن أن يكون مرده ثقافيا محضا، يتباين بتباين المجتمع الذي ينتمي إليه، وقد يتباين حسب المرجعيات والإيديولوجيات التي يحملها، كما يمكن أن يكون أساسه ازدواجية او تعدُّد الأصول الثقافية أو المرجعية للفرد الواحد"؛ وهنا "يُطرح موضوع الزواج المختلط والاضطرابات السيكولوجية التي قد تنجم عنه، ومنها صراع الثقافات والقيم ومشكل الانتماء". هذا التلوُّن في الجذور يؤسس حسب الأستاذ ابن الجنوي، لبصمة نفسية مختلفة خاصة، تميز الكائن وتُفرده عن المحيطين به.
ينتقل الأستاذ ابن الجنوي في إطار تناوله للبصمة النفسية، إلى الحديث عن المقاربة الأسرية التي تدرس الآلية النفسية للمجموعات، ومنها المحيط الذي ينتمي له "المُعاني" النفسي، والذي يؤثر في تأسيس بصمته النفسية سلبا أو إيجابا. ليكشف أن نفسية الطفل المضطربة هي ترجمة لمعاناة المحيط، وبعبارة أصح، هي عرض من أعراض أمراض الوالدين. وهنا لايكون هذا المُعاني النفسي مريضا لوحده، لذلك لايقف العلاج عليه وحده، بل يتعداه لعلاج البيئة المحيطة، أي أن دائرة المعلاجة النفسية تتسع في هذه الحالة، من العلاج الفردي إلى العلاج الجماعي.
بناء على ذلك، تعتبر "المقاربة الأسرية" الفرد بصمة المحيط، لذلك لايتأتى له تأسيس بصمته الخاصة دون تمكنه من التخلص من البصمة المرضية الأسرية التي تقيده، بينما تقوم "المقاربة الإكلينيكية" على علاج الفرد لوحده دون استبعادها إمكانية العلاج الجماعي.
تثار العديد من المشاكل النفسية في هذا الصدد، ويثار مايسمى بأزمة البصمات كلما تعلق الأمر بحاملي الثقافات المزدوجة، ومنهم المهاجرين والمنفيين، حيث أكد ابن الجنوي أن هؤلاء المهاجرين تتنازعهم الرغبة في إبراز الهوية الذاتية، فتتصارع الآلة النفسية لديهم بين ما تمليه شروط الاندماج، وبين أصولهم وثقافتهم التي يحملونها في دواخلهم. بين الجذور التي اجثتوا منها، و تلك التي يجب أن يستنبتونها في البلد الحاضن، فرضا للذات، وضمانا للقبول والاندماج في وسط جديد حاضن.
يكشف الأستاذ ابن الجنوي أن هذا التباين الثقافي الذي تناوله العديد من الدارسين والانثروبولوجيين، يطرح التساؤل حول ما إذا كانت عقدة أوديب عقدة غربية محضة، أم لها طابع عالمي؟
ينتهي الأستاذ المحاضر إلى الحديث عن الأنا، والأنا الأعلى التي أسس بنوذها الوالدان والمجتمع، والتي تحمل قائمة الممنوع والمباح والقواعد الملزمة التي لايسوغ تجاوزها.. يظل الكائن يستدخلها ويتشرب قواعدها ويفرض قدسيتها.. وتفرض وجودها جبرا في لاوعيه، لتؤسس لهويته ولبصمته النفسية المتماهية مع ثقافة المحيط والبيئة التي أحكمت وِثاقه، بل لعلها كانت سببا في كثير من الأزمات النفسية التي سيعيشها كلما وقع تجاوز لأحكام الأنا الأعلى الحارسة لإملاءات رغباته وشهواته.

هناء مهدي د.سعد ابن الجنوي البصمة النفسية الأثر النفسي الذي أسسه المحيط والمواقف