الدكتور أيمن سلامة : متي تنتهي الحرب في أوكرانيا ؟


لا ينتهي النزاع المسلح، بالتوقف المؤقت للعمليات العدائية سواء توقفت هذه العمليات العدائية بمقتضي اتفاق وقف إطلاق النار أو اتفاق الهدنة بين المتحاربين، بل ينتهي حقيقةً عند إبرام اتفاقات سلام تنهي حالة الحرب نهائيا وترسي لسلام شامل ودائم بين الدول المتحاربة سابقا.
وتختلط العديد من المصطلحات الأخرى التي تتواتر منذ اليوم الأول للعمليات العدائية العسكرية التي لا تزال مستمرة بين العدوين اللدودين أوكرانيا وروسيا، ومن بين هذه المصطلحات: وقف إطلاق النار، والهدنة.
أولاً: وقف إطلاق النار:
هو مهلة قد يطلبها أحد أطراف النزاع، وتكون عادة محدودة المدة، تتوقف فيها العمليات القتالية بهدف إسعاف الجرحى ودفن القتلى، ومن ثم يمكن القول، أو لأجل تأمين الممرات الإنسانية اللازمة لغوث أو إجلاء المدنيين المحاصرين مثل الحالة الأوكرانية مؤخرا.
لذا فوقف القتال إجراء عسكري مؤقت وليس له صفة سياسية، ولا ينص فى ذلك الاتفاق على شروط ذات طابع سياسى، ورغم أن الغالب أن يتم الاتفاق بين المتحاربين وبإرادتهم السياسة الحرة، إلا أنه وفى الآونة الأخيرة وفى الحالات التى من شأن استمرارها تهديد للسلم والأمن الدوليين، نجد أن مجلس الأمن يقوم بإصدار قراراته فى شأن حفظ السلم والأمن الدوليين وإعادتهما لنصابهما، وتتضمن مثل هذه القرارات الأمر بوقف إطلاق النار من جانب المتحاربين.
ومن أشهر الحالات التى اضطلع فيها مجلس الأمن بهذه المهمة إصدار المجلس العديد من قراراته فى هذا الشأن فى حرب أكتوبر عام 1973، والحرب اللبنانية الإسرائيلية عام 2006.
كما يمكن أن تساهم جهود دولة أو مجموعة دول أو منظمة دولية فى التوصل لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار.
ثانياً: الهدنة:
تُعرف بأنها تعليق للعمليات العدائية على كل الجبهات بين الدول المتحاربة، دون إنهاء النزاع، وكانت الاتفاقية الخامسة لعام 1907، قد حددت موادها، فالهدنة قرار سياسي يصدر عن السلطة السياسية صاحبة الاختصاص، وقد تكون محددة المدة كما يمكن أنّ تكون مفتوحة، على أنّ يحدد في نص قرار الهدنة ما يحظر ارتكابهُ من أفعال قد تلغيها ويستأنف القتال بعدها، ويجب على من يود استئناف القتال أنّ يبلغ الطرف الآخر بذلك إلاّ في الحالات الطارئة.
الهدنة فى معناها القانونى اتفاق يتم بمقتضاه وقف عمليات القتال بين الأطراف المتحاربة، وهو اتفاق سياسى عسكرى يؤدى غالبا إلى وقف القتال لفترة طويلة نسبيا، مقارنة باتفاق وقف إطلاق النار، وان كانت الهدنة لا تعنى إنهاء حالة الحرب.
إن اتفاق الهدنة عمل ذو طابع سياسى بجانب صفته العسكرية، يلجأ إليه المتحاربون توطئة لعقد الصلح؛ لذلك فالذى يملك عقد الهدنة حكومات الدول المحاربة ذاتها، ويتولى الأمر فى شأن الهدنة وفى تحديد شروطها ممثلون عن أطراف الاتفاق يعينون خصيصا لذلك، ولا تصبح الهدنة ملزمة إلا إذا أقرتها حكومات الدول الأطراف فيها.
وكما تشمل الهدنة وقف جميع العمليات الحربية بين طرفى النزاع المسلح فى جميع الميادين، وهو ما يعرف بالهدنة العامة، حيث استخدم مجلس الأمن مصطلح الهدنة العامة فى قراره بتاريخ 16 نوفمبر عام 1948 بشأن الحرب الإسرائيلية العربية، وقد تقتصر الهدنة -أيضا- على مناطق معينة وهى ما تعرف بالهدنة المحلية، وعادة ما يحدد للهدنة أجل تنتهى بانقضائه، ويكون لكلا الفريقين المتحاربين العودة للقتال إن لم يتفقا على الصلح.
ويتحدد مضمون الهدنة من قبل أطرافها، وهو قد يشمل، إضافة للأعمال المحظورة، إنشاء مناطق منزوعة السلاح كما تم فى اتفاق الهدنة الشهير عام 1953 بعد انتهاء الحرب الكورية، والذى أنشا المنطقة منزوعة السلاح شمال وجنوب خط العرض 38، وإنشاء مناطق دفاعية، وتبادل أسرى الحرب .
إن أى إخلال جسيم بشروط الهدنة الواردة فى اتفاقها من جانب أحد الطرفين يعطى الطرف الآخر الحق فى نقضها ويعتبرها منتهية، وله فى حالة الضرورة القصوى أن يستأنف القتال مباشرة، وفضلا عن ذلك فان هذا الانتهاك ومخالفة شروط الهدنة، يرتب المسؤولية الدولية على الدولة المخالفة بوصفها ارتكبت مخالفة لالتزاماتها الدولية، أما إذا كان الإخلال من الأفراد من تلقاء أنفسهم وبإرادتهم المحضة أى دون تلقى أوامر قيادية عليا من رؤسائهم، فللطرف الآخر أن يطلب فقط معاقبة المسئولين، ودفع تعويض عن الإضرار التى نتجت عن هذا الإخلال.
والهدنة مهما طال أمدها لا تعنى إلا مجرد وقف القتال بين أطرافها ولا تنهى قانونا حالة الحرب القائمة بينهم، فحالة الحرب لا تنتهى قانونا إلا بتوقيع معاهدة سلام مثل التي أنهت الحرب بين إسرائيل ومصر والتي أبرمتها الدولتين في مارس 1979، ومعاهدة وادى عربة عام 1994 التي أنهت الحرب بين إسرائيل والأردن.
لقد كانت الخبرة الإسرائيلية مريرة مع اتفاق الهدنة مع مصر والذى أبرم في 24 فبراير عام 1949، حيث استمرت مصر فى ممارسة حقوق المحارب بالنسبة للسفن والبضائع الإسرائيلية التى تمر فى المياه الإقليمية المصرية، مما دفع إسرائيل لشكوى مصر لمجلس الأمن بزعم أن اتفاق الهدنة الموقع مع مصر قد أنهى حالة الحرب بينهما وهى فرية لا تنطلى على أى مدقق، حيث إن الحروب لا تنتهى إلا باتفاقيات سلم لا هدنة.
ماهية و أهمية معاهدات السلام :
تلعب معاهدة السلام دورا بارزا في العلاقات الدولية يميزها عن غيرها من المعاهدات الدولية، ويرجع هذا الدور إلى الموضوع الرئیسی والهدف الأساسي من إبرامها، وهو إنهاء حالة الحرب وإعادة السلام بين أطرافها، وهو الأمر الذي يترتب عليه انتقالا كاملا من علاقات يسودها التوتر والتصارع المستمر إلى علاقات يسودها الوئام والسلام؛ ولذلك فإن معظم التعريفات التي يضعها الفقهاء لمعاهدة السلام تدور حول هذه الغاية .
فيقرر البعض أن معاهدة السلام هي الوسيلة التقليدية أو العادية لإنهاء الحرب بين الأطراف المتحاربة ، بينما يذهب البعض الآخر إلى أنها النهاية الطبيعية أو العادية للحرب ؛ كما أن هناك من يرى أن معاهدات السلام عبارة عن اتفاقات تعلن بواسطتها الدول المتحاربة انتهاء القتال - بشكل رسمی - وتحدد شروط عودة العلاقات السلمية بينهم ، وفي هذا السياق يلزم التأكيد علي أن معاهدات السلام التي تعقدها الدول المتحاربة هي الصك الدولي الحصري الذي ينهي ، بشكل مطلق ، حالة الحرب و ذلك خلافاً للصكوك الدولية الأخري التي تعقدها الدول المتحاربة مثل اتفاقيات وقف إطلاق النار ، واتفاقيات الهدنة .
ختاما
لن تُبرم اتفاقية سلام وضمان حياد أوكرانيا بمثل هذه الأريحية التي اكتنفت اتفاقيات الصلح أو الاستسلام أو السلام التي شهدتها أوروبا بعد الحربين العالميتين، فالمسائل القانونية لا تزال عالقة والقضايا السياسية لا تزال شائكة، وتعد مُرَاوحة المفاوضات المتعثرة بين الدولتين المتحاربتين بواكير لخواتيم أطول كابوس شهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية.