الدكتور أيمن سلامة : كيف أحال مجلس الأمن النزاع الروسي - الأوكراني للجمعية العامة رفم الفيتو الروسي ؟


استشرف واضعوا ميثاق المنظمة الأممية في عام 1945 الحالات التي تُشَل فيها الإرادة الدولية بفعل فاعل صوت واحد يعيق صلاحيات مجلس الأمن، الجهاز الرئيسي للمنظمة المنوط بها حفظ السلم والأمن الدوليين والذي يعمل كنائب عن أعضاء الأمم المتحدة في هذا الشأن الخطير.
الأمر الأهم أن ميثاق المنظمة حين دَمغ – نعت – اختصاص المجلس في صدد حفظ السلم و الامن الدوليين ، بالاختصاص " الرئيسي " و لم يدمغه بالاختصاص " الحصري " ، ولذلك فقد نصت المادة الثانية عشرة من ميثاق الأمم المتحدة علي : " عندما يباشر مجلس الامن بصدد نزاع أو موقف ما الوظائف التي رسمت لهفي الميثاق ، فليس للجمعية العامة أن تقدم أي توصية في شأن هذا النزاع أو الموقف إلا إذا طلب ذلك منها المجلس ، وهي النموذج الصارخ الذي حدث أمس الأحد في نيويورك حيث أحال المجلس بعد التصويت الإجرائي ( غير الموضوعي ) النزاع الروسي-الأوكراني للجمعية العامة للمنظمة تأسيساً علي قرار " الاتحاد من أجل السلام " الذي استخدمته الجمعية العامة للمنظمة للمرة الأولي في الحرب الكورية في عام 1950 .
فَرّقت المادة (27) من الميثاق بين طائفتين من المسائل التي يمكن أن تُعرض على مجلس الأمن، وهي المسائل الإجرائية (الشكلية) وغير الإجرائية (الموضوعية)، الأمر الذي يؤدي إلى اختلاف الاغلبية المطلوبة للتصويت عليها والتي تتطلب أغلبية تسعة أصوات في مجلس الأمن حتى وإن كانت جميع الأصوات للدول غير الدائمة في المجلس، بعبارة اخرى لن تكون ثمة جدوي لاستخدام حق النقض من قبل الدول دائمة العضوية، ولذلك فالفيتو الروسي أمس علي قرار المجلس إحالة النزاع للجمعية العامة ليس له أي أثر في عرقلة القرار هذه المرة.
المسائل الإجرائية هي تلك المسائل التي تتعلق بالقضايا الشكلية والإجرائية داخل مجلس الأمن، والميثاق لم يتضمن معيارا للتمييز بين المسائل الإجرائية والموضوعية، أو حصر كلًّ من هاتين الطائفتين من المسائل ، غير أن الدول الأربعة الداعية إلى مؤتمر" سان فرنسيسكو " اصدرت بيانا في 7 يونيو 1945 انضمت اليهنّ فرنسا في اليوم التالي، بخصوص المسائل المتفق بينهما على كونها اجرائية وهي:
1. تمثيل أعضاء مجلس الأمن تمثيلا دائما في مقر المنظمة.
2. وجوب عقد اجتماعات دورية لمجلس الأمن.
3. عقد اجتماعات المجلس في غير مقر المنظمة.
4. انشاء أجهزة فرعية تابعة للمجلس.
5. وضع لائحة الاجراءات.
6. اشتراك عضو من أعضاء الأمم المتحدة بدون تصويت في مناقشة أية مسألة تعرض على المجلس إذا تأثرت بها مصالح العضو بصفة خاصة.
7. دعوة أي دولة تكون طرفا في نزاع معروض على المجلس لبحثه إلى الاشتراك في المناقشات المتعلقة بهذا النزاع دون أن يكون له حق التصويت.
المجلس صاحب المسؤولية الرئيسة فيما يتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين، ويرجع سبب اعطائه هذه المسؤولية إلى الرغبة في تحقيق نوع من الفاعلية والسرعة في حل المشاكل التي تهدد السلم والأمن الدوليين، باعتباره جهازاً محدود العضوية وفي حالة انعقاد دائم، الأمر الذي يجعله أكثر ملائمة وفي وضع أفضل للقيام بهذه المهمة والتوصل إلى قرارات وتوصيات مناسبة وحاسمة.
وتأكيدا على ذلك ما نصت عليه المادة (10) من ميثاق: " للجمعية العامة ان تناقش اية مسألة او أمر يدخل في نطاق هذا الميثاق او يتصل بسلطات فرع من الفروع المنصوص عليها فيه او وظائفه. كما ان لها في ما عدا ما نصّ عليه في المادة (12) ان توصي أعضاء الهيئة او مجلس الأمن او كليهما بما تراه في تلك المسائل والأمور"، فالاستثناء الوارد في المادة (12) على سلطات الجمعية العامة هي أنه لا يجوز لها أن تصدر أية توصية في نزاع أو موقف إذا كان الموضوع معروضاً أمام مجلس الأمن، إلا إذا طلب المجلس منه ذلك.
على الرغم من النص الوارد في ميثاق الأمم المتحدة الذي يحد من سلطات الجمعية العامة فيما يتعلق بمسائل السلم والأمن، إلا أنه ومن خلال ما جرى عليه العمل في الجمعية العامة يتبين أن الجمعية تمكنت من إصدار توصيات وقرارات متعلقة بنزاع أو موقف يهدد السلم والأمن الدوليين استنادا إلى قرار " الاتحاد من أجل السلام " في عديد النزاعات منذ عام 1950 .