الدكتور أيمن سلامة : اتفاقية مينسك لن تنزع فتيل الحرب في أوكرانيا .


تم التوقيع على اتفاقية مينسك " عاصمة بيلاروسيا" في فبراير 2015 في مسعى لوضع حد للنزاع الذي اندلع في منطقة دونباس جنوب شرقي أوكرانيا، وتم تنسيق الوثيقة التي تحمل اسم "مجموعة الإجراءات الخاصة بتنفيذ اتفاقات مينسك" في قمة عقدها في العاصمة البيلاروسية في 11-12 فبراير 2015 زعماء دول "رباعية النورماندي" (روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا)، ووقعت عليها أيضا مجموعة الاتصال الخاصة بتسوية النزاع في شرق أوكرانيا (وهي تضم ممثلين عن حكومة أوكرانيا وروسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين المعلنتين ذاتيا في جنوب شرق أوكرانيا) ، وفي 17 فبراير 2015، تبنى مجلس الأمن الدولي قرارا يدعم هذا الاتفاق.
سبق أن صرح الرئيس الفرنسي ماكرون بأن : " أساس حل القضية الأوكرانية يكمن في تنفيذ اتفاقية مينسك". ، وسعي لذلك في لقاءه المهم مع الرئيس الروسي بوتين الأسبوع الماضي و لكنه عاد من موسكو بخفي حنين .
و بالرغم من التأكيد الرسمي للرئيس الأوكراني " فولوديمير زيلينسكي "، لماكرون على ما كان يقوله منذ شهوربأن" أوكرانيا ملتزمة بالوفاء باتفاقية مينسك ، طالما يحدث ذلك بالطريقة التي تفسرها بها كييف "، لكن المسؤولين الأوكرانيين كانوا أكثر تشاؤمًا على المستوى الخاص ، حيث صرحوا في المقابل ، بأنه " من المستحيل تنفيذ الاتفاقية لأن من شأن ذلك تدمير أوكرانيا كدولة إذا فعلنا ذلك".
دعت الوثيقة الدولية إلى وقف فوري لإطلاق النار في الصراع في شرق أوكرانيا، وأدت بالفعل إلى إنهاء الأعمال العدائية العسكرية الكبرى، لكن الصراع استمر في الغليان ولم يتم إحراز تقدم يذكر في أي من الخطوات السياسية، كما تدعو الوثيقة إلى انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة ، فضلاً عن الإصلاح الدستوري في أوكرانيا الذي من شأنه أن ينص على اللامركزية والانتخابات في الأراضي الحالية ، والتي تمولها وتديرها موسكو.
و لا تُعد الاتفاقية معاهدة سلام واحدة متماسكة بل وثيقتين أساسيتين - اتفاق وقف إطلاق النار الأولي الذي تم التوصل إليه في سبتمبر 2014 ، وخطة متابعة من 13 نقطة تهدف إلى تنفيذ الهدنة وتحديد خطوات التسوية السياسية - ومجموعة من النصوص التكميلية الأخرى.
تمت الموافقة على الخطة الرئيسية المكونة من 13 نقطة ، والتي يطلق عليها رسميًا "حزمة الإجراءات لتنفيذ اتفاقية مينسك" والمعروفة اختصارًا باسم "مينسك 2" ، في فبراير 2015 ، وتبعتها سلسلة من المراسلات الدبلوماسية ، والملاحق التي لا يحمل أي منها أي قوة قانونية.
تكمن أصلد الحجرات العثرة في تنفيذ الاتفاقية في النزاع بين البلدين حول أولوية وأسبقية تنفيذ بنود الاتفاقية فقد أصرت كييف على ضرورة نزع سلاح الانفصاليين أولاً، بينما طالبت موسكو بالإصلاح السياسي أولاً.
علي المستوي الشعبي في أوكرانيا، هناك القليل من الشهية في المجتمع الأوكراني لأي تسوية في مينسك يمكن أن تمنح مقاعد برلمانية لوكلاء روسيا، وتعطي موسكو رأيًا في إدارة أوكرانيا، أيضا من أهم العقبات التي تحول دون تنفيذ الاتفاقية حصول مئات الألاف من الأوكرانيين ذوي الأصول الروسية علي جوازات سفر روسية، ويقودهم في المناطق المتنازع عليها مواطنون روس، فيصعب إعادة دمجهم في المجتمع الأوكراني.
يري العض أن أوكرانيا لم تملك إرادتها الكاملة حين وقعت علي الاتفاقية، حيث وجهت البندقية نحو رأس أوكرانيا ، حيث واجهت قوات كييف هزيمة عسكرية كاملة من عدو كان يتلقى دعمًا سريًا من الكرملين ، لذلك يري هؤلاء أن الاتفاقية ولدت ميتة ، لكن فضلت أوكرانيا توقيع الاتفاقية لكسب الوقت لأوكرانيا ولإتاحة الوقت لاستعادة الحكومة الجيش والمخابرات و الأمن وغيرها من مؤسسات كادت أن تنهار .
علي جانب آخر فقد صرح "ميخايلو بودولاك "، مستشار الرئيس الأوكراني ، إن الاتفاقية يمكن أن توفر خارطة طريق قابلة للتطبيق إذا تم تفسيرها بشكل صحيح ، و أنه من الممكن حقًا تمرير السلام من خلال أي صعوبات ، لكن الخطوات ومحتواها يمكن أن تكون فقط تلك التي تحترم سيادة أوكرانيا بشكل كامل".
لا جرم أن الاتفاقية متنازع عليها بشدة ومعيبة، و أحكامها غامضة فتتيح لأطرافها و الأطراف الثالثة تفسيرها بشكل متضارب ، حيث تختلف روسيا وأوكرانيا حول كل نقطة تقريبًا في اتفاقيات مينسك ، ووفقًا لكبار المسؤولين والدبلوماسيين الذين شاركوا بشكل مباشر في سنوات من المفاوضات المضطربة حول الاتفاقية، فإن المشكلة الرئيسية هي أن روسيا تم تصنيفها كضامن – أي حكم مثل فرنسا وألمانيا - وليس كطرف في النزاع.
هذا التمييز ، الذي أصر عليه بوتين وفلاديسلاف سوركوف ، كبير مستشاريه بشأن أوكرانيا ، خلال المفاوضات في عامي 2014 و 2015 ، سمح للكرملين بالإصرار على أن الحكومة الأوكرانية يجب أن تتفاوض مباشرة مع قادة ما يسمى بجمهوريات دونيتسك الشعبية و لوهانسك ، السلطات العميلة الانفصالية الموالية لروسيا في دونباس المحتلة ، حتى عندما يأخذ هؤلاء القادة جميع تعليماتهم من موسكو.