السبت 23 أغسطس 2025 06:41 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

د. داليا عصام أبو الفتوح تكتب: الصراع حول شرط الإخطار المسبق وعدم التسبب فى ضرر فى حوض النيل

النهار نيوز

تأتى مسألة شرط الإخطار المسبق فى حوض النيل فى الترتيب الثالث من قائمة مجالات الصراع المائى فى دول حوض النيل، بعد مسألة الصراع حول مدى مشروعية الاتفاقات التاريخية فى حوض النيل، ومسألة الصراع حول معايير تقاسم المياه وقضية بيعها فى حوض نهر النيل اللتان تناولا بالتحليل فى المقالات السابقة. وتكمن أهمية مسألة شرط الإخطار المسبق فى مجالات الصراع المائى فى دول حوض النيل فى إنها كفيلة بالحد من الكثير من المنازعات الثائرة والتى قد تثور مستقبلًا بما تضمنه من شرط عدم التسبب فى ضرر. إذ إنه لو تم الإلتزام بين دول الحوض النهرى بشرط الإخطار المسبق عن المشاريع التى تزمع إحدى دول الحوض فى إقامتها على الحوض النهرى لكان مؤدى ذلك التشاور والتفاوض المسبق حول هذا المشروع بين الدول المعنية، الأمر الذى يرتب الوصول الحتمى إلى حلول ترضى الأطراف كافة وتعويض المستحقين ومن ثم تجنب وقوع النزاعات بشأن تلك المشروعات.

وتثور أزمة شرط الإخطار المسبق فى دول الحوض النهرى بين دول المصب ودول المنبع، حيث تتخوف الأولى من قيام دول المنابع العليا بإقامة مشاريع مائية على مجرى النهر تؤثر على تدفق المياه إليها. ويعكس شرط الإخطار المسبق الجدل الفقهى الثائر حول نظرية هارمون من جانب، والتى تدعى السيادة المطلقة للدولة على جزء النهر المار بإقليمها، وحق الدوله فى إقامة مشاريع على هذا الجزء كيفما يتراءى ومصالحها، ونظريات الوحدة الإقليمية والملكية المشتركة من جانب ثانى، وهى النظريات التى تحرص على تقييد دول المنابع بـ "التشاور المسبق" مع دول أسفل النهر حين شروعها فى القيام بمشروعات مائية على حوض النهر، لئلا تسبب الإضرار بالدول الأخرى المشتركة معها فى حوض النهر.

وقد عمدت إثيوبيا نحو تجاهل شرط الإخطار المسبق فى علاقاتها مع دول حوض النيل عمومًأ ومع مصر على وجه التحديد، وبخاصة فيما يتعلق بالأزمة الأخيرة المثارة بشأن سد النهضة الإثيوبى وأثرة على الإيراد الطبيعى للنهر والحصة المائية لمصر، وهو الأمر الذى يمس بشكل مباشر صميم الأمن المائى المصرى.

ويقصد بشرط الإخطار المسبق، قيام الدولة المشاطئة لنهر دولى عند شروعها أو عزمها على القيام بمشروع قد يتسبب بإضرار لدولة أخرى مشاطئة لذات النهر؛ بإخطار الدولة الأخرى التى قد تتأثر بهذا المشروع أو سيلحق بها الضرر بكافة المعلومات والبيانات المتعلقة بهذا المشروع، فضلًا عن منح هذه الدولة فترة مناسبة لدراسة المشروع وإبداء إعتراضاتها عليه. وفى حالة تعارض وجهات النظر بين الدولتين أو الدول المعنية فيجرى التشاور حول الآثار والأضرار المحتملة والإتفاق على حلول مرضية لكافة الأطراف وتعويض الأطراف المستحقة.

كما يُقصد بمسألة "عدم التسبب فى ضرر" عدم جواز الحاق الضرر من قبل أحد الدول النهرية بأى من الدول النهرية الأخرى الشريكة لها فى الحوض النهرى المشترك. سواء كان هذا الضرر تلويث للمياه، أو تغيير لنظام النهر وكميات المياه التى تصل إلى دولة المصب، أو إنشاء سدود من قبل الدول أسفل النهر تضر بأراضى الدول الأعلى أو تغرقها، أو إقامة السدود من دول أعلى النهر تؤثر على كمية المياه التى تستقبلها دول أسفل النهر، أو غير ذلك من أوجه الضرر.

ويتكئ شرط الاخطار المسبق على قاعدة عرفية فحواها التزام الدولة النهرية المشتركة فى مجرى النهر الدولى بعدم استغلال النهر الدولى على أى وجه يضر بحقوق الدول الأخرى المشتركة فى ذات النهر، وهو الأمر الذى أكده الفقه والقضاء الدولى. كما أن هذا الالتزام المشار اليه يرتبط على نحو وثيق بتحقيق مبدأ الشفافية وحسن النيه بين الدول المشاركة فى النهر، ويؤكد على مبادئ حسن الجوار، والتعاون فى استخدام المجرى المائى بطريقة عادلة ومنصفة.

كما أكدها القضاء الدولى حين خلصت المحكمة الدائمة للعدل الدولى عام 1937 فى صدد قضية نهر الميوز إلى مبدأ تحريم قيام الدولة بمشروعات على حوض النهر الدولى تؤثر على حجم المياه فى الدول المشاطئة لذات النهر، فضلًأ عن تحريم قيام الدولة على أراضيها بإجراء تغيير أو تعديل لمياه النهر إذا ترتب على ذلك أضرار جسيمة بدولة مشاطئة أخرى، وأنتهت المحكمة إلى أن حق الدول النهرية فى استغلال مياه النهر مقيد بعدم إحداث ضرر للطرف الآخر. وكذلك خلصت محكمة العدل الدولية عام 1974 إلى مجموعة من المبادئ ذات الصله بحل النزاعات الدولية على المياه، وكان أبرزها، أن من حق الدولة التى تقع أسفل النهر فى الاخطار المسبق للأنشطة التى تقوم بها دول أعلى النهر والتى تؤثر عليها، ووجوب قيام الدول المعنية بمشاورات فيما بينها قبل البدء بأى مشروع فى الحوض النهرى، وعدم القيام بالأعمال التى تسبب أضرار جسيمة لأي من الدول المشتركة فى الحوض النهرى، والعمل على تأجيل القيام بالمشاريع والأعمال المتعلقة باستغلال المصادر المشتركة لحين الانتهاء من المفاوضات بين الدول المعنية فى حال كانت هذه المفاوضات طويلة. كما أكدت المحكمة ذات المبادئ حين تصديها لقضية مصانع اللب على نهر أوروجواى، حين قضائها بالالتزام ببذل العناية الواجبة لمنع الضرر الجسيم العابر للحدود، وضرورة احترام مبدأ الإخطار المسبق عند الشروع فى إقامة أى مشروعات من دول المنبع على الأنهار الدولية والتى من شأنها الإضرار بدول المجرى المائى الأخرى سواء بتلويث مياه المجرى أو تقليل حصص المياه.

وقد كانت العديد من الاتفاقيات الدولية شاهدة على ترسيخ مبدأى شرط الإخطار المسبق وعدم التسبب فى ضرر، إذ تضمنت هذه الإتفاقات نصوصًا انصبت بشكل رئيس على هذين المبدئين، ومن هذه الإتفاقيات على سبيل المثال لا الحصر، إتفاقية 1949 المتعلقة بنظام الحدود النرويجية – السوفيتية واجراءات تسوية المنازعات والحوادث على الحدود؛ والمذكرات المتبادلة بين مصر والمملكة المتحدة بشأن نهر النيل فى 16 يوليو 1952، وفى يناير 1953؛ والاتفاقية الموقعة بين إيطاليا وسويسرا فى 17 سبتمبر 1955 فى شأن تنظيم بحيرة لوجانو؛ ومعاهدة مياه السند بين الهند وباكستان فى 19 سبتمبر 1960، وهى الإتفاقات التى تضمنت على نحو صريح مبدأ عدم التسبب فى ضرر، وحرصت على الإشارة على نحو ضمنى إلى شرط الإخطار المسبق.

كما أقرت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون استخدام المجارى المائية الدولية فى الأغراض غير الملاحية لعام 1997 شرط الاخطار المسبق ومبدأ عدم التسبب فى ضرر، وتشعبت فى شروط "شرط الاخطار المسبق" وتوقيته وإجراءاته، وغير ذلك من أبعاد، حين شروع أحد دول الحوض النهرى المشترك فى إقامة المشاريع على حوض النهر. إذ أبرزت اتفاقية الأمم المتحدة التزام جميع الدول النهرية بالإعلان عن التدابير الجديدة أو الاستخدامات الجديدة المزمع اتخاذها فى المجرى المائى والتى يمكن أن تؤثر على المجرى المائى أو تحدث الضرر بالدول الأخرى. وفى ذلك نصت المادة (11) من الاتفاقية الإطارية على أن "تتبادل دول المجرى المائى المعلومات وتتشاور بعضها مع بعض وتتفاوض حسب الاقتضاء بشأن الآثار المحتملة للتدابير المزمع اتخاذها على حالة مجرى مائى دولى". ونصت المادة (12) من الاتفاقية الإطارية على أنه "قبل أن تقوم دولة من دول المجرى المائى أو أن تسمح بتنفيذ تدابير مزمع اتخاذها يمكن أن يكون لها أثر سلبى جسيم على دول أخرى من دول المجرى المائى، عليها أن توجه إلى تلك الدول إخطارًا بذلك فى الوقت المناسب ويكون هذا الإخطار مصحوبًا بالبيانات والمعلومات الفنية المتاحة، بما فى ذلك نتائج أى عملية لتقييم الأثر البيئى من أجل تمكين الدول التى تم إخطارها من تقييم الآثار المحتملة للتدابير المزمع اتخاذها".

ورغم حرص الاتفاقية الاطارية للأمم المتحدة لعام 1997 على مبدأ المساواه فى الإستخدامات إلا أنها أكدت على صيانة الحقوق المستقرة والنظام السارى على المجرى أو جزء منه ووجود أولويات متأصلة فى إستخدامة. كما أنه فى تأكيد إتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 على شرط الإخطار المسبق رفض وإنكار لمبدأ هارمون الذى يقول بالسيادة المطلقة للدولة على جزء النهر أو المجرى المائى المار بإقليمها.

وفى المقابل تحرص الإتفاقية على الحول دون إعاقة دول الحوض النهرى للمشروعات التنموية التى تقوم بها غيرها من دول الحوض النهرى بحجة شرط الإخطار المسبق؛ فتلزم الاتفاقية الاطارية للأمم المتحدة لعام 1997 الدولة التى تتلقى إخطارًا بأحد المشروعات المزمع إقامتها على النهر من قبل أحد دول حوض النهر بأن ترد على ذلك الإخطار فى فترة مناسبة بالموافقة أو الرفض أو طلب التعديل وطلب التشاور والتباحث مع الدولة صاحبة الإخطار. كما أن الإتفاقية عملت على ضبط الإخطار المسبق من حيث توقيته إذ يتعين أن يتم فى مرحلة مبكرة قبل البدء فى تنفيذ المشروع، وكذلك من حيث مضمونه الذى يتعين فيه تضمن المعلومات الفنية الدقيقة والبيانات المفصلة التى تُمكَّن من خلالها الدولة المستلمه للإخطار من تقييم الضرر المحتمل بشكل دقيق، وللدوله المستلمه للإخطار كذلك الحصول على فترة زمنيه كافية لتقييم المشروع ونتائجه.

وفى ذلك جاءت المواد من 13 إلى 19 من الاتفاقية الاطاريه للأمم المتحدة بالتفصيل، حيث منحت المادة 13 من الاتفاقية الدولة المستلمه للإخطار فترة ستة أشهر لدراسة وتقييم الآثار الممكنة للمشروع المزمع القيام به على المجرى المائى المشترك، والابلاغ عن تقييمها وما توصلت اليه من نتائج، ويجوز أن تجدد هذه المدة لستة أشهر أخرى بناء على طلب الدولة مستلمة الإخطار. كما قيدت المادة 14 الدولة الموجِهة للإخطار بالتعاون مع الدول التى تم إخطارها وتزويدها بالمعلومات اللازمة عند الطلب، فضلًا عن عدم تنفيذ المشروع المزمع انشاؤه دون موافقة الدول التى تم إخطارها. وتؤكد المادة 15 أنه على الدولة المتسلمة للإخطار أن ترفق بالنتائج التى توصلت إليها كافة الشروح والمستندات التى تبرر ما توصلت إليه من نتائج. فى حين كان من شأن المادتان 16 و 17 أن تناولا معالجة المشاورات والمفاوضات المتعلقة بالتدابير المزمع اتخاذها سواء فى حالة الرد على الإخطار أو فى حالة عدم الرد. فشرعت المادة 16 تفسر السكوت عن الرد على الإخطار بأنه رضا بالمشاريع المقترحة، إلا أنه فى حالة الرد بالإعتراض على المشروع والتدابير المقترحة وفقًا للمادة 17 فتدخل الدولتان فى مفاوضات بغية التوصل إلى تسوية عادلة للوضع، وتمتنع الدولة صاحبة المشروع أو التدابير عن البدء فى تنفيذه لمدة ستة أشهر ما لم يتم الإتفاق على خلاف ذلك. أما فى حالة الاستعجال فى تنفيذ التدابير أو المشروعات المزمع اتخاذها فتعمل الدولة صاحبة المشروع بحسب نص المادة 19 بالبدء الفورى فى التنفيذ فى فى حالة الاستعجال لحماية الصحة العامة أو السلامة العامة أو ما يوازيها أهمية، وتقوم بتقديم اعلان رسمى الى باقى دول المجرى المائى المشترك تفسر فيه ما لتلك التدابير من صفة الاستعجال مرفقًا بذلك البيانات والمعلومات ذات الصلة.

أما فى شأن موقف دول منابع حوض النيل من شرط الإخطار المسبق، فقد عمدت هذه الدول نحو رفض شرط الإخطار المسبق إتكاءًا على ثلاث أُسس؛ أولها تمسكها بنظرية هارمون التى تمنح الدول الواقعة أعلى النهر حق القيام بالمشروعات والتدابير على الجزء المار بإقليمها من النهر دون إيلاء أى إعتبار لما سينتج عن هذا التصرف من آثار تلحق بدول أسفل النهر؛ وثانيها رفض دول منابع حوض النيل لاتفاقيات حوض النيل السابقة، وبخاصة اتفاقيتى 1929، و 1959، وقد حرصت كلٍ من الاتفاقيتين على تضمن شرط الإخطار المسبق، والاتفاق مع الحكومة المصرية فى حالة اتفاقية 1929، والحكومتين المصرية والسودانية فى حالة اتفاقية 1959، من قبل دول حوض النيل حول أى تدابير أو إجراءات تتخذ على النيل أو فروعه أو على البحيرات التى ينبع منها يكون من شأنها التأثير على حصة مصر من المياه أو الحاق الضرر بها؛ وثالثها تمسك دول منابع حوض النيل بالتطبيق التبادلى لشرط الإخطار المسبق، أى أن يكون الالتزام بشرط الاخطار المسبق التزامًا ثنائيًا تبادليًا قبل البدء أو الشروع فى تنفيذ المشروعات والتدابير المائية على حوض نهر النيل، سواء كانت تلك المشروعات من قبل دول المنابع أو دولتى المصب والمجرى.

حيث تبتغى إثيوبيا تقييد مصر والسودان بشرط الإخطار المسبق فى مواجهة أى اجراءات أو مشروعات أو تدابير يزمعا فى القيام بها، رغم عدم رجوع أى من تلك المشروعات بأى أثر على جزء النهر المار بإثيوبيا أو أى من دول المنابع الأخرى، وللمزيد من التشدد تحرص إثيوبيا على فرض هذا الشرط على مصر والسودان وإلا كانت إثيوبيا وبقية دول المنابع فى حلٍ منه. وقد تجلى هذا الخلاف بين مصر وإثيوبيا حين قررت مصر بناء السد العالى دون استشارة دول المنابع، وعارضت اثيوبيا ذلك الاجراء مؤكده على حقها كدولة من دول المنابع أن يؤخذ رأيها فى إنشاء السد العالى. وعلى إثر ذلك قامت إثيوبيا بالاتفاق مع الولايات المتحدة لعمل دراسة شاملة عن روافد نهر النيل فى إثيوبيا لإمكانية الإنتفاع بها فى إقامة السدود والزراعة وتوليد الكهرباء، وهى الخطوة التى رتبت سحب الولايات المتحدة لعرضها بتمويل السد العالى فى يوليو 1956 معللة سلوكها هذا بعدم قيام مصر بعقد إتفاقية شاملة مع دول المنابع. كما تجلى هذا الخلاف أيضًا حين قيام الرئيس السادات بالإعلان عن مشروع ترعة السلام لتحويل جزء من مياه النيل لرى 35 ألف فدان فى سيناء، ونيته فى توجيه قدر من مياه النيل إلى القدس ماره بصحراء النقب، وهو ما واجهته إثيوبيا بالرفض العنيف. وعبرت إثيوبيا عن موقفها هذا من جديد إزاء مشروع توشكى، حيث تضمنت ورقة العمل التى قدمها الوفد الإثيوبى الذى حضر المؤتمر الخامس لدول حوض النيل الذى عقد فى أديس أبابا 1997؛ المطالبة بإلغاء مشروع توشكى وترعة السلام لأنهما سيترتب عليهما حصول مصر على حصه مائية أكبر من حصتها الحقيقية.

كما تجلت دلالات الموقف العام لإثيوبيا الرافض لشرط الإخطار المسبق فى إعلانها المستمر على رفض الاتفاقيات المبرمة قبل حصولها على إستقلالها، ورفضها للبروتوكولات التى وقعت أثناء فترة حكم منليك الثانى، وذلك فى إشارة خفية إلى إتفاق 1902 الموقع بين بريطانيا وإثيوبيا، فضلًا عن إعتراضها على إتفاق 1929 وإتفاق 1959؛ وسعى وتأكيد إثيوبيا المستمر على حقها فى الاستفاده الكامله من الأنهار الواقعة داخل إقليمها دون إيلاء أى إعتبار لحقوق الدول الأخرى فى هذه الأنهار؛ والسعى الدؤوب خلف تنفيذ مجموعة المشاريع والدراسات التى اعدها مكتب استصلاح الأراضى الأمريكى فى فترة الخمسينيات والستينيات، واتباع سياسة الأمر الواقع فى تنفيذ المشاريع الزراعية على فروع وروافد النيل الواقعه داخل أراضيها؛ والتنديد بمصر وسياساتها فى العديد من المحافل الدولية حيث تعتبر إثيوبيا أن السياسات المصرية موجهه ضد مساعيها التنمويه؛ واللعب بورقة المياه لممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية على دولتى المجرى والمصب. كما جاء موقف إثيوبيا فى الإتفاقية الإطارية للأمم المتحدة لعام 1997 بالرفض لشرط الإخطار المسبق وعدم التسبب فى ضرر مؤكدًا على توجهها هذا، إذ أكد ممثل الوفد الإثيوبى على أن الإتفاقية لا تحقق التوازن بين دول المصب ودول المنبع وأن الجزء الخاص بالإجراءات المزمع اتخاذها يضع أعباء ثقيلة على الدولة التى تنوى القيام بمشاريع على مياهها، ونوه إلى تحفظ إثيوبيا الشديد على المادة السابعة الخاصة بالالتزام بعد الاضرار الجوهرى.

كما عمدت إثيوبيا إبتداءًا من عام 1984 بتنفيذ مشروع سد فينشا، وهو على أحد روافد النيل الأزرق بتمويل من بنك التنمية الأفريقى، وهو المشروع الذى يؤثر على حصة مصر المائية بمقدار نصف مليار متر مكعب سنويًا، كما قامت بدراسة ثلاثة مشروعات أخرى، هى مشروع الليبرد على نهر السوباط ومشروع سينت على أحد روافد نهر عطبرة، ويؤثر على إيراد النهر بمقدار نصف مليار متر مكعب سنويًا، ومشروع خور القاش ويؤثر على حصة مصر بمقدار 4.5 مليار متر مكعب سنويًا. علمًا بأن كافة تلك المشاريع التى شرعت إثيوبيا فى تنفيذها أو التى نفذتها بالفعل لم تتشاور إثيوبيا بشأنها مع مصر بإعتبارها دولة مصب، ولم تراعى أى إعتبار فى تلك المشاريع لشرط الإخطار المسبق. ولما كانت تلك المشاريع لها من التداعيات والآثار ما يلحق الضرر بمصر، فضلًا عن عدم التشاور المسبق معها؛ فقد إتجهت الحكومة المصرية للبنك الإفريقى وغيرة من المؤسسات المالية المانحة مبدية إعتراضها على ما انتهجته إثيوبيا من تدابير على حوض نهر النيل، الأمر الذى رتب رفض البنك لتمويل أى مشروع من مشروعات الرى الإثيوبية على نهر النيل دون موافقة دولة المصب. وفى 9 يونية 1996 وافق البرلمان الإثيوبى على طلب الحكومة بإنشاء خزانين أولهما على النيل الأزرق لأغراض الزراعة وانتاج الطاقة الكهربية، وثانيهما على نهر دابوس، على أن يتم تمويلهما من البنك الدولى وجهات مانحة أخرى، وذلك – من جديد – دون الرجوع إلى شرط الإخطار المسبق أو التشاور المسبق مع مصر بصفتها دولة المصب. فضلًا عن جملة من السدود الأخرى التى شرعت إثيوبيا فى إنشائها على روافد النيل الوحد تلو الآخر انطلاقاً من ذات المبدأ المنكر لشرط الإخطار المسبق، أهمها من حيث تأثيره على حصة مصر فى المياه سد النهضة الذى يقع فى إقليم جوموز "بنى شانجول" على النيل الأزرق، ويبعد عن الحدود السودانية – الإثيوبية بنحو 15 كم، ويبلغ إرتفاعه حوالى 148 متر، وطوله 1800 متر، ويتضمن على عدد من التوربينات عددها 15 توربينًا فرنسى الصنع، ومن المتوقع أن يولد طاقة كهربية تبلغ 5250 ميجا واط.

أما فى شأن الموقف المصرى – السودانى من شرط الإخطار المسبق، فتتمسك كلتا الدولتان بشرط الإخطار المسبق فى مواجهة دول المنابع، وتصرا على تطبيق دول المنابع لهُ قبل الشروع فى أى تدابير أو إجراءات على حوض النيل، وذلك بغية تجنب الأضرار الجوهرية والآثار السلبية لهذه المشاريع على دولتى المصب والمجرى. ويجد التمسك المصرى - السودانى – وكافة دول المصاب فى الأنهار الدولية المشتركة – بشرط الإخطار المسبق أساسه النظرى فى الأطروحات والنظريات التى تقيد من سلطان دول المنابع فى إتخاذ التدابير أو القيام بالمشروعات على حوض النهر على النحو الذى يؤثر عليه أو يلحق الضرر بالدول الأخرى، ومنها نظرية الوحدة الإقليمية المطلقة، ونظرية الوحدة الإقليمية المحدودة، ونظرية الملكية المشتركة. ويتكئ الموقف المصرى – السودانى المتمسك بشرط الإخطار المسبق على عدد من المبررات أهمها، تأكيد بعض إتفاقيات مياه النيل السابقة على شرط الإخطار المسبق، وقد تضمنته إتفاقيتا 1929 و 1959؛ وكذلك تأكيد الإتفاقيات المبرمة بين الدول المشتركة فى أحواض الأنهار الدولية على شرط الإخطار المسبق؛ وتأكيد مصادر القانون الدولى للمياه – على نحو ما سلف الإشارة فى بداية هذا المقال – من اتفاقيات دولية أو عرف دولى أو فقه وقضاء دوليان على قاعدة الاخطار المسبق وعدم التسبب فى ضرر.

وعلى ذلك الأساس يتعين على دول حوض النيل الإلتزام فى مواجهة مصر بشرط الاخطار المسبق فى حال أن ازمعت – دول حوض النيل – فى القيام بمشروعات أو تدابير على حوض النيل، قد تسفر عن الإضرار الجسيم بمصر. كما أن دولتا المصب والمجرى مصر والسودان تريان أن شرط الإخطار المسبق وإن كان واجبًا ملزمًا على دول المنابع؛ إلا إنه لا يرتب أية التزامات فى مواجهة دولتى المصب والمجرى، ومن ثم فمن حق مصر والسودان إقامة المشاريع والتدابير على حوض النهر الواقع فى أراضيهم دون الرجوع إلى دول المنابع فى ذلك الشأن، إذ أن تلك المشاريع أو التدابير المتخذه من قبل دول المصب لا تشكل أى تهديد على دول المنابع، وذلك على عكس الوضع لو أقيمت هذه المشاريع من قبل دول المنابع فى أعلى النهر. وقد إنعكست تلك القناعة عند شروع مصر فى بناء مشروع السد العالى، ومشروع ترعة السلام، وعند تنفيذ مشروعات قناة جونجلى جنوب السودان، وقناة مشار جنوب السودان، والمشروع الجنوبى لبحر الغزال فى جنوب السودان؛ رغم ما كان من الرفض والإحتجاج الإثيوبى على مشروع ترعة السلام، بإعتبارة يشكل مساسًا بالتركيب الطبيعى والجغرافى للنهر ونقل وتحويل جزء من مجرى النهر خارج مساره الطبيعى. وهو الإدعاء الذى يتغاضى عن حقيقة المسألة، حيث أنه بحسب قواعد هلسنكى فى تعريف مفهوم حوض التصريف، فإن ما يعرف بمصرف حوض النيل يمتد شرقًا ناحية سلسلة جبال سيناء دون أى عوائق فى طريقه، وبالتالى فكل هذه المنطقة تخضع لإطار تعريف مصرف حوض نهر النيل، ولا يعوق وجود قناة السويس بين النيل وسيناء ذلك المفهوم، إذ أن قناة السويس عملًا صناعيًا وليست عائقًا طبيعيًا.

كما أفادت دراسة مصرية أعدتها المجالس القومية المتخصصة التابعة لرئاسة الجمهورية بعنوان "حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل" أن سياسة مصر فى الحفاظ على حقوقها التاريخية والطبيعية فى مياه النيل ترتكز على فكرة أنه فى كل الأوقات وتحت كل الظروف لن يسمح بإقامة أى عمل يمس كمية المياه التى تصل إلى مصر أو تأخير موعد وصولها، لأنها الدولة الوحيدة من بين دول حوض النيل التى تعتمد على المياه إعتمادًا كليًا. كما أضافت الدراسة أن إقامة أى أعمال على روافد النيل فى دول حوض النيل دون الرجوع للحكومة المصرية للحصول على موافقتها يعد من حيث المبدأ مخالفة لقواعد القانون الدولى والمعاهدات والبروتوكولات السابق توقيعها، وبخاصة إذا كانت هذه الأعمال مؤثرة على كمية المياه التى تصل إلى مصر مهما كان هذا التأثير ضئيلًا. كما دعت المجالس القومية المتخصصة دول حوض النيل إلى إنشاء هيئة فنية دائمة مشتركة لدراسة مشاريع تنمية الموارد المائية والكهرومائية فى ضوء الاحتياجات الفعلية لهذه الدول من دون المساس بالحقوق المكتسبة لمصر فى مياه النيل.

كما عمد الوفد المصرى المفاوض فى إتفاقية الأمم المتحدة لقانون استخدام المجارى المائية الدولية فى الأغراض غير الملاحية لعام 1997 نحو التأكيد على ضرورة تضمن الإتفاقية للإلتزام بشرط الإخطار المسبق وعدم التسبب فى ضرر فى مواجهة دول المنابع، حيث تبنى الوفد المصرى موقف يؤكد على أن التزام دول حوض النهر بعدم الإضرار بالدول الأخرى يعد بمثابة حجر الأساس لأى نظام قانونى لأى نهر من الأنهار الدولية يتم الاتفاق عليه.

كما أن اتفاق التعاون الذى أبرم ووقع فى القاهرة فى أول يوليو 1993 بين الرئيس المصرى الأسبق مبارك ورئيس الوزراء الإثيوبى ميليس زيناوى قد تضمن الالتزام بعدم قيام أى من الدولتين – مصر وإثيوبيا – بعمل أى نشاط يتعلق بمياه النيل قد يسبب ضررًا بمصالح الدولة الأخرى، بالإضافة إلى الالتزام بالتشاور والتعاون بين الدولتين بغية إقامة مشروعات تزيد من حجم التدفق الطبيعى لمياه النيل وتقليل الفاقد.

خلاصة القول، أن شرط الإخطار المسبق وعدم التسبب فى ضرر يعد من أهم مجالات الصراع المائى فى دول حوض النيل، وقد أقره العرف والفقه والقضاء الدولى، فضلًا عن الأنظمة القانونية فى أحواض الأنهار الدولية وإتفاقية الأمم المتحدة لقانون استخدام المجارى المائية الدولية فى الأغراض غير الملاحية لعام 1997؛ ورغم ذلك عمدت دول حوض النيل وخاصة إثيوبيا نحو تجاهل شرط الإخطار المسبق، وشرعت فى بناء السدود والمشروعات والتدابير على حوض النيل التى من شأنها التسبب فى الإضرار الجوهرى بمصر. ناهيك عن إعتراض إثيوبيا على شرط الإخطار المسبق فى إتفاقية الإمم المتحدة لعام 1997 السالف الإشارة إليها، وتمسكها فى مواجهة مصر والسودان بموقف غير منطقى يتمثل فى الإخطار المسبق المتبادل رغبة منها فى تقييد حرية مصر فى إستخدام حصتها فى المياه، وهو ما يؤكد على الأبعاد السياسية للموقف الإثيوبى المنكر لشرط الإخطار المسبق، ومن ثم توجهت إثيوبيا نحو فرض سياسة الأمر الواقع بإستشراء نزعة إنشاء السدود والمشروعات والتدابير على حوض نهر النيل، وهو ما جسده سد النهضة الإثيوبى مؤخرًا، دون الأخذ فى الحسبان مصالح دول حوض النيل الأخرى وبخاصة دولتى المصب والمجرى مصر والسودان.

....................................

[email protected]

داليا ابو الفتوح نهر النيل مصر السودان إثيوبيا سد النهضة