الأربعاء 16 يوليو 2025 12:16 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

الرياضة

منتخب جبهة التحرير الوطني.. باعوا النجومية من أجل الجزائر

النهار نيوز

كتب منتخب جبهة التحرير الوطني ذكريات خالدة في تاريخ الثورة الجزائرية بمساهماته الكبيرة في التعريف بالقضية الجزائرية عن طريق الرياضة، فنال احترام الجميع ونجح في مهامه إلى أبعد الحدود، بفضل تضافر جهود لاعبون شبانا لبوا نداء الوطني ورفضوا كل الإغراءات كل ذلك من أجل مساندة القضية الجزائرية والانضمام إلى بقية أطياف الشعب الجزائري، أمس مرت 63 سنة كاملة عن ميلاد فريق جبهة التحرير الوطني الذي يعود تأسيسه إلى تاريخ 13 أبريل 1958 في إطار مساعي تفعيل رسالة الجهاد الثوري والدبلوماسي ضد المستعمر الفرنسي، وكان أول ظهور لفريق جبهة التحرير الوطني في الأراضي التونسية خلال الدورة الكروية الاحتفالية التي نظمها النادي الإفريقي التونسي بمناسبة اليوم العالمي للشغل 1 مايو 1957.
وكان أول لقاء للجزائريين ضد نادي فاس المغربي المدعم بنجمه العربي بن بارك، وقد حضر اللقاء النهائي لهذه الدورة الشهيد العقيد عميروش والرئيس التونسي الحبيب بورقيبة الذي أمر برفع العلم الجزائري إلى جانب راية المغرب وتونس وليبيا، وتعتبر هذه المشاركة بمثابة الانطلاقة الحقيقية لمشوار كبير وهام ميزه 32 جولة بعدة دول أوروبية وإفريقية وشرق أوسطية وآسيا في الفترة ما بين 1958 و1962.
الشهيد محمد بومزراڤ صاحب فكرة التأسيس
وكان الشهيد محمد بومزراڤ صاحب فكرة تأسيس الفريق لتتبلور بمرور الوقت إلى مكسب مهم منح متنفسا جديدا للثورة التحريرية في المحافل الكروية الدولية والإقليمية، وتشكل تعداد فريق جبهة التحرير من عناصر بارزة رفضت كل العروض المغرية من أندية فرنسية وفضلت رفع راية الجهاد تحت لواء كرة القدم، فقد تولى حراسة المرمى كل من بوبكر وعلي دودو وعبد الرحمان إبرير، وفي الدفاع: مصطفى زيتوني وقدور بخلوفي ومحمد سوكان وشريف بوشاش واسماعين إبرير وعبد الله ستاتي، ويتشكل وسط الميدان من: مختار عريبي وسعيد حداد وعلي بن فضة ومحمد بومزراڤ وحسن بورطال وعمار رواي وحسن شبري، فيما لعب في الهجوم: عبد الحميد كرمالي وعبد العزيز بن تيفور وعبد الحميد بوشوك ورشيد مخلوفي وسعيد براهيمي ومحمد معوش وأحمد وجاني وأمقران واليكان وعبد الرحمان سوكان وعبد العزيز معزوز ومحمد بوريشة وعبد الكريم كروم وحسين بوشاش وسعيد عمارة وعبد الحميد زوبا.
لاعبون لبوا نداء الوطني ورفضوا كلالإغراءات الفرنسية
بدأت الفكرة من بومزراق، ليسانده المرحوم مختار لعريبي الذي كان مدربا ولاعبا مع منتخب الجبهة، وهو أحد المؤسسين لهذا المنتخب رفقة أسماء أخرى مثل محمد معوش، عبد الحميد كرمالي وعبد العزيز بن تيفور، فهولاء اللاعبين كانوا وراء التخطيط لكيفية مجيء اللاعبين الجزائريين الناشطين بفرنسا قصد الإلتحاق بمنتخب الجبهة، وكان على رأس أوائل الهاربين من فرنسا مصطفى زيتوني، قدور بخلوفي والحارس عبد الرحمن بوبكر وهو الثلاثي الذي كان ينشط مع موناكو، بالإضافة إلى عمار رويعي الذي كان لاعبا في صفوف أونجي، وجاء التخطيط لإلتحاق اللاعبين عبر 3 أفواج، فوج من روما يقوده بن تيفور، فوج بروكسل يقوده معوش بالإضافة إلى فوج سويسرا بقيادة لعريبي.
مخلوفي وزيتوني الثنائي الذي فرط في كاس العالم من أجل الجزائر
كان المنتخب الفرنسي في تلك الحقبة يضم في صفوفه بعض اللاعبين الجزائريين، في مقدمتهم رشيد مخلوفي ومصطفى زيتوني وهو الثنائي الذي كان بإمكانه أن يشارك في نهائيات كأس العالم التي جرت بالسويد سنة 1958، لكنهما هربا من فرنسا وإلتحقا بتونس للإنضمام إلى منتخب جبهة التحرير الوطني، وبالتالي سقط إسميهما من القائمة المعنية بخوض المونديال، الأمر الذي شكل ضربة موجعة بالنسبة لـ"الديكة"، فالمدافع زيتوني الذي كان ركيزة إلى جانب مخلوفي الذي ساهم في تأهل فرنسا إلى المحفل العالمي وقتها، علما أن عناصر أخرى أيضا حملت قبلها ألوان "الديكة" في صورة بن تيفور، إبرير وبراهيمي.
باعوا النجومية من أجل الجزائر
يرى مؤرخون أن جرائم المستعمر الفرنسي في حق الشعب الجزائري من قتل وتشريد وتعذيب خلفت ندوبًا لا تُمحى في ذاكرة المواطنين بتلك الحقبة، ولم يكن الرياضيون المغتربون في ذلك الوقت بمعزل عن الأحداث، فاختاروا ترك مشوارهم الاحترافي الواعد ورفضوا الانضمام للمنتخب الفرنسي رغم الإغراءات المادية وحياة الرفاهية والشهرة.
قال اللاعب رشيد مخلوفي (مواليد سطيف شرق الجزائر) إن مجازر 8 من مايو 1945 التي قتل فيها عشرات الآلاف من الجزائريين المدنيين، بقيت عالقة في ذهنه منذ أن كان طفلاً لم يتجاوز التسع سنوات، لذلك لم يتردد لحظة واحدة في تلبية نداء الواجب والالتحاق بالثورة مضحيًا بأمجاد الكرة وشهرتها التي كانت تحت قدميه، حيث نال رشيد مخلوفي مع منتخب فرنسا العسكري لكرة القدم كأس العالم للمنتخبات العسكرية في صائفة 1957.
من جانبه، وصف الصحافي جاك فندرو في تصريح صحفي اللاعب عبد العزبز بن تيفور بنجم كرة القدم الفرنسية في الخمسينيات، فيما كان زيتوني ومخلوفي زيدان وبلاتيني ذلك العصر، وقال إن هروبهم السرّي كان ضربة قاسية لفرنسا تأتي في سياق المعارك العسكرية.
هكذا منعت جبهة التحرير الفرق الجزائرية من مواجهة الأندية الفرنسية
يؤكد الكثير من المتتبعين على الارتباط الكبير بين كرة القدم والثورة التحريرية، بدليل أن كل المباريات التي كانت تجرى بين الفرق المسلمة والأخرى الفرنسية كانت في حقيقتها صراعات سياسية، وكل فوز محقق من طرف الفرق المسلمة كان إبرازا للشخصية الجزائرية وتحقيق نوع من الانتصارات المعنوية الذي تمهد لنزع الحرية بالقوة، وكانت الأسرة الرياضية الجزائرية كثيرا ما تفاجئ المستعمرين بظهورها فوق الحلبة والملاعب والقاعات بالألوان الوطنية مثلما حدث في عدة ولايات جزائرية. وفي العام 1956 أصدرت جبهة التحرير الوطني قرارا يمنع كل الفرق المسلمة المشاركة في مختلف البطولات والمنافسات، وهذا هو أكبر دليل على الهدف السياسي للرياضة الجزائرية، وقد لبى الجميع النداء، في الوقت الذي مالت الإستراتيجية بعد ذلك إلى تأسيس منتخب يجمع بين المحليين والمحترفين حتى يكون أفضل سفير لرفع راية الثورة الجزائرية في المحافل الدولية.
تدخل الاتحاد الفرنسي لكرة القدم وعصا "الفيفا"
على إثر الحادثة، سارع الاتحاد الفرنسي لكرة القدم إلى تقديم شكوى لـ"الفيفا" برئاسة آرثر دريوري يطالب فيها بمنع ما أسماهم "هؤلاء اللاعبين المتمردين" من ممارسة النشاط الرياضي في أيّ فريق، وقررت المنظمة منع فريق "جبهة التحرير" من المشاركة في أي منافسة دولية، وقد تفاعلت أغلب الاتحادات الكروية في الدول الأوروبية إيجابيًا مع شكوى باريس، فيما فُسخت عقود اللاعبين مع الفرق الفرنسية التي كانوا يلعبون بها.
ولم تكتف "الفيفا" بمنع الجزائريين من المشاركة الدولية، بل هددت أيضًا أي دولة تستقبل هذا الفريق الذي "ليست له سيادة" بالعقوبة، فيما تحدت كل من يوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا والمجر وبلغاريا والصين وفيتنام الشمالية والمغرب وتونس وليبيا الحظر وتمسكوا باستضافة الجزائر، واستقبلوا فريق "جبهة التحرير"، ونظمت له مباريات قاربت الـ90 مباراةً، حتى الاعتراف الدولي بالجزائر المستقلة عام 1962، واعتماد الفيفا فريقها الوطني عام 1963.
مسيرة رائعة لفريق جبهة التحرير في الملاعب العالمية
يبقى العدد الإجمالي للمباريات التي خاضها فريق جبهة التحرير الوطني موضوع اختلاف، ولكن أفضل دليل وهو ذاك الذي يقدمه ميشيل نايت-شلال في كتابه، والذي يعطي نتائج أكثر تفصيلا لمباريات فريق الجبهة التي لعبها ويؤكد أن الفريق لعب 83 مباراة، فاز في 57 منها، تعادل في 14 وخسر الاثني عشر مسجلا ما مجموعه 349 هدفا وتلقى 119. وقد لعب رفاق الهداف مخلوفي الذي سجل لوحده 42 هدفا مقابلات هامة ضد منتخبات معروفة مثل الاتحاد السوفياتي، يوغسلافيا، تشيكوسلوفاكيا، رومانيا، المجر، بلغاريا، الصين والفيتنام اضافة الى المنتخبات العربية على غرار المغرب، تونس، ليبيا، العراق والأردن، حيث تمكن من الفوز بنتائج عريضة في عدة مباريات على غرار ما حدث أمام يوغسلافيا (6 - 1) والمجر (5 - 2) وتشيكوسلوفاكيا (4 -1) والصين (0-4) وتونس (0-9) والأردن (0-11) والعراق (11 - 0) والفيتنام (0-11). وشكلت هذه العملية صفعة حقيقية للاستعمار الفرنسي الذي حاول بشتى الطرق والوسائل عرقلة مهمة الفريق، الا انه فشل امام قوة لاعبي المنتخب الثوري الذي نجح بشكل كبير في ايصال صوت الثورة الجزائرية الى جميع ارجاء العالم.
حادثة رفض رفع العلم الجزائري في بولونيا
عرفت مباراة منتخب جبهة التحرير الوحيدة في بولونيا حدثا خاصا، لما رفض المنتخب
المضيف في البداية رفع العلم الجزائري، إذ لم يرغبوا في المخاطرة باستبعادهم من الفيفا أو التصعيد مع فرنسا، لكن في الأخير لعبت المباراة ورفع العلم الجزائري، ولكن بدون احتساب نتيجتها التي انتهت بالتعادل أربع أهداف في كل شبكة. وأبهر اللاعبون بتمسكهم برفع العلم الوطني وعزف النشيد أينما حلوا، رغم عدم وجود علم أو نشيد رسميين آنذلك.
فريق موناكو يعتبر الثورة الجزائرية من أسباب خسارته لقب 1958
لا يجد نادي إمارة موناكو حرجا في الكشف عن الأسباب التي أدت إلى خسارته لقب الدوري الفرنسي لموسم 1957-1958 الذي أنهاه في المرتبة الثالثة، حيث يشير عبر موقع الإلكتروني الرسمي إلى تأثر الفريق الأول بمغادرة الخماسي مصطفى زيتوني، عبد العزيز بن تيفور، عبد الرحمان بوبكر، قدور بخلوفي وحسان شبري، ووصف ذلك الموسم على موقع النادي الرسمي بالكلمات التالية: "كان الفريق مهيئا لمنافسة أفضل أندية فرنسا في ذلك الموسم، لكن للأسف الثورة الجزائرية حرمت موناكو من عدة لاعبين متألقين فضلوا الدفاع عن قضيتهم، لقد غاب بخلوفي، بوبكر، شابري، بن تيفو وزيتوني لأشهر طويلة وإكتفى الفريق بالمرتبة الثالثة في الدوري الفرنسي والوصول لنصف نهائي كأس فرنسا".
مسيرة زيتوني بالجزائر إبان الاستعمار الفرنسي، وبالتحديد ضمن فريق سانت أوجين، في نهاية أربعينات القرن الماضي قبل أن ينضم إلى صفوف نادي كان (جنوب شرق فرنسا) في 1953 ثم موناكو في 1954. وكان مدافعا قويا لديه فنيات كبيرة إلى درجة أن الصحافة الفرنسية توقعت أن يكون ضمن تشكيلة "الديوك" في نهائيات كأس العالم 1958 بالسويد إلى جانب ريمون كوبا وجوست فونتين.
مصطفى زيتوني اللاعب الذي قال "لا" لريال مدريد لأجل الجزائر
توفي اللاعب الجزائري الدولي السابق مصطفى زيتوني 04 يناير 2014 بمدينة نيس الفرنسية عن 86 عاما بعد صراع مع المرض. وانطلقت مسيرة زيتوني بالجزائر إبان الاستعمار الفرنسي، وبالتحديد ضمن فريق سانت أوجين، في نهاية أربعينات القرن الماضي قبل أن ينضم إلى صفوف نادي كان (جنوب شرق فرنسا) في 1953 ثم موناكو في 1954. وكان مدافعا قويا لديه فنيات كبيرة إلى درجة أن الصحافة الفرنسية توقعت أن يكون ضمن تشكيلة "الديوك" في نهائيات كأس العالم 1958 بالسويد إلى جانب ريمون كوبا وجوست فونتين.لكن مصطفى زيتوني رفض دعوة المنتخب الفرنسي كما أنه رفض الانضمام إلى ريال مدريد، والذي كان يلعب فيه آنذاك اللاعب الأسباني الأرجنتيني الشهير ألفريدو دي ستيفانو، وفضل الاستجابة إلى نداء القلب والوطن، وبعد حصول الجزائر على استقلالها سنة 1962، كان زيتوني أحد عناصر المنتخب الوطني قبل أن يعتزل اللعب.
لاعبو الفريق الثوري واصلوا العطاء حتى بعد الاستقلال
ورغم كل ما حققه لاعبو فريق جبهة التحرير الوطني في الفترة بين 1958 و1962 في إطار التعريف بمغزى وهدف الثورة التحريرية، الا ان ذلك لم يمنعهم من مواصلة العطاء بعد الاستقلال، حيث تحول أغلبهم إلى إطارات مؤثرة في المنظومة الكروية الجزائرية من خلال اتصالهم الدائم بالميدان الرياضي وإشرافهم على أندية ومنتخبات حققوا معها نتائج مميزة، ومن بين الإنجازات التي حققها أبطال الفريق الثوري بعد الإستقلال، فوز الفريق الوطني بالميدالية الذهبية لألعاب حوض البحر الأبيض المتوسط سنة 1975 والألعاب الإفريقية سنة 1978، تحت قيادة رشيد مخلوفي الذي أشرف كذلك على الطاقم الفني الذي قاد المنتخب الوطني إلى أول مشاركة في كأس العالم سنة 1982، والنتائج الرائعة التي سجلها في الملاعب الإسبانية، هذا إلى جانب التتويج بأول وآخر كأس إفريقية سنة 1990 تحت قيادة عبد الحميد كرمالي، الذي أهّل كذلك وللمرة الأولى الفريق الوطني أواسط إلى كأس العالم سنة 1979 باليابان، ووصل معه إلى ربع نهائي هذه المنافسة. أما على مستوى الأندية، فنجد بأن أول كأس إفريقية تحصلت عليها الأندية الجزائرية كانت من قبل فريق مولودية الجزائر سنة 1976 تحت قيادة عبد الحميد زوبا أبرز أعضاء الفريق، إلى جانب الكأس الإفريقية للأندية البطلة والكأس الآفرو آسيوية اللتين حاز عليهما فريق وفاق سطيف عام 1989 بقيادة المرحوم بإذن الله مختار عريبي.
العديد من صانعي تاريخ منتخب جبهة التحرير وافتهم المنية
فارق العديد من صانعي تاريخ الكرة الجزائرية الحياة الدنيا في السنوات الماضية، بينهم مؤسس منتخب الجبهة وهو محمد بومزراق الذي توفي سنة 1969، إضافة إلى عبد العزيز بن تيفور الذي توفي 1970، كما غادرنا المدافع الصلب مصطفى زيتوني سنة 2014 وسبقه عبد الحميد كرمالي الذي وافته المنية سنة 2013، إلى جانب مختار لعريبي الذي قاد وفاق سطيف للقب الإفريقي وتوفي في 1989، كما توفي أيضا عبد القادر معزوز (1978)، سعيد حداد (1981)، عبد الرحمن إبرير (1988)، علي بن فداح (1993)، سعيد براهيمي (1997)، أحمد وجاني (1998)، عبد الرحمن بوبكر (1999)، عبد الحميد بوشوك (2004)، أمقران وليكان (2010) وعلي دودو (2014)، مصطفى زيتوني (جانفي 2014)، عبد الرحمان سوخان (2015)، عمار رواي (نوفمبر 2017)، قدور بخلوفي (جويلية 2019).

منتخب جبهة التحرير الوطني الثورة الجزائرية