الأحد 3 أغسطس 2025 10:00 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

أدب وثقافة

الشيخ حميد أبو جازي شاعر القيم العليا

النهار نيوز

الشيخ حميد أبو جازي
شاعر القيم العليا
الشيخ حميد شاعر من دولة الأردن الشقيقة، من قبيلة الترابين ذات الامتداد في سيناء وعموم مصر ، وفلسطين، والأردن.
وقد حبا الله الشيخ خيرا كثيرا يسعفه أن يُقيم في أرقى المدن، لكن هذا البدوي الشامخ كثيرا ما يرفض الإقامة في المدينة؛ لأنه يضيق بها، فيترك نفسه تهيم في (الــبَّـــر)، وهو الصحراء في لهجة البادية، هنالك تنشرح نفسه، ويجد الشيخ ذاته إما بين الإبل وهو يتفقدها ممتطيا حصانه الأصيل، أو بين خيمة العز التي ابتناها في (البر).
والشيخ – على ذلك – قاضٍ عرفي يجتمع في ديوانه الخصوم؛ فيجدون فيه النزاهة، ويجدون عنده (علوم الرجال)، ويطمئنون إلى ما وهبه الله من ذكاء وفطنه.
وهو – بعد – شاعر مرموق، ربما ورث هذه الموهبة من عمه الأكبر والشاعر الأشهر (عنيز أبو سالم)، شاعر سيناء الأبرز؛ ليكون الشيخ خير خلف لخير سلف.
كل هذه العوامل طبعت شخصية الشيخ بطابع خاص، فهو البدوي القديم يركب الحصان ويقتني الإبل، وهو الرجل المعاصر يركب أحدث السيارات، وهو المثقف بثقافة البادية الملم بعلومها إلماما واسعا، وهو الذي تشرّب القيم العليا حتى أصبح علما على الجد والصرامة في الحق والقسوة على نفسه في الالتزام بالمبادئ النبيلة، هذا فضلا عن روحه المرحة التي تميل أحيانا إلى المزاح الظريف.
يقول الشيخ حين رأى تخلي البعض عن القيم الرفيعة:
سـويـت لــي مــن جـيـد الـبـن دلـة
تجلى عجاج الفكر لو كان محتاس
بـعـض الـبـشر زلـّيـت فـيـهم مـزلـة
أنا أحسب أنه بين الاجواد نبراس
مــا ادري تــرى انـه فــي حـيـاتي مـعـلة
عــايـش حـيـاته لـلـملاعين بــلاس
وجــدي عـلى الـلي نـاقل الـود كـله
الــلـي يـبـل اريــاق بـالـحيل يـبـّاس
الــلـي رفـقـهم ثـابـتٍ فــي مـحـله
لـمـا يـجـيها يــوم قـطّـاع الانـفاس
جلس الشيخ في خيمته حائرا يفكر في أمر بعض الناس، سوّى بيده الماهرة دلة القهوة العربية أحسن تسوية، ورشف فنجانه الأول؛ فأزاح عن الفكر كل (عجاجة) كانت تشوّش عليه، فلما راق فكره اكتشف شرورا كثيرة في بعض البشر الذي (زلّ) الشيخ حين أحسن الظن بهم؛ فقد كان يحسب الواحد منهم نبراسا يهتدي ويقتدي به الناس، لكنه اكتشف أن رفقة هؤلاء عِلّة، وأنهم شياطين الإنس لا يصلحون أصحابا للشيخ؛ لأنهم أصحاب الملاعين.
ولا بد أن الشيخ شرب الفنجان الثاني قبل أن ينتقل من النقيض الشرّير إلى النقيض الخيّر الذي يحفظ (الود كله)، فإذا احتاج إليه الصديق فكأنه الماء يبل الريق اليبّاس، وهو بذلك يصور الصديق الصدوق ذا الإخلاص (الثابت في محله) كالجبل لا يهتز ولا يضطرب، إلى أن يأتي يوم انقطاع الأنفاس! فالشيخ الشاعر هنا رسم لنا صورتين بينهما مفارقة صارخة بين من يحفظ القيم، ومن يضيعها، والمفارقة حين تكشف عن التناقض والتباين تكون وسيلة شعرية فائقة في الكشف عن موقف الشاعر من كلا الطرفين، وفي الكشف عن ميله المطلق للطرف الثاني.
فما هي القيم العليا التي يلح عليها الشيخ في أشعاره؟
تحدثت الأبيات السابقة عن حفظ الود ودوام الإخلاص، وهذا بيت يتحدث عن غلق أبواب الشر وفتح أبواب الخير:
لا جـيـتـهم تـلـقـى وجـــوهٍ مـفـالـيح
غـــلاقــةٍ لــلــشـر لــلـخـيـر فـــتّــاح
وهو هنا يستخدم الوسيلة الشعرية نفسها، أي رسم صورتين متضادتين لتوضيح فكرته وإبرازها. ويقول:
اصـبـر كـمـا تـصـبر اجـمالٍ مـواضيح
فــي شـايـة الـحـول مــا غـيّر امـراح
وقيمة الصبر يلح عليها الشيخ كثيرا، بوصفها معلما من معالم الإيمان والرجولة الكاملة؛ فهو يصف صبره بصبر جمل مربوط في (شاية – مربط) من الحول (العام) الماضي ما غيّر امراح (منام)، أليس هذا صبرا صابرا وعزما لا يقدر عليه إلا أولو البأس من الرجال؟
قيم نبيلة كثيرة تنطق بها أشعار الشيخ، يصعب أن نتتبعها جميعها، لكننا نختم بوصية غالية كاشفة عن إيمان الرجل وحكمته:
يـا راكـب الـموجة مـع الـوقت بـتطيح
الــظـلـم مـا يـنـفـعك لا هــبــت اريـــاح
اتــبــع ســبـيـل الله زيـــد الـتـسـابيح
ركـعـه بـجـوف الـليل والـصدر يـرتاح
تـــرى بـــواب الـمـغفرة لــك مـفـاتيح
مـا قـفلت فـي وجـه تـايب ندم صاح

الشيخ حميد أبو جازي شاعر القيم العليا الشيخ حميد شاعر من دولة الأردن الشقيقة قبيلة الترابين