قراءة سيميائية وجمالية في قصيدة (أعلنها) للشاعرة د. آمال صالح

تمهيد

قصيدة (أعلنها) للشاعرة د. آمال صالح نص يتسم بثراء الصور الشعرية وتعدد مستويات الدلالة. إنه نص يراوح بين الصمت والانفجار، بين التصحر والامتلاء، وبين الخفاء والإشهار. وتأتي أهمية النص من قدرته على تفعيل عناصر البنية السيميائية، وتوظيف الرموز والألوان والأصوات لتشكيل لوحة شعرية متكاملة.

⸻

أولاً: قراءة في العنوان

العنوان فعل مضارع “أعلنها” محمّل بطاقة انفعالية تفتح فضاء النص على أفق البوح والكشف. هو إزاحة لغوية تنقل الفعل من وظيفته العادية إلى طاقة دلالية تحيل على التوتر والانعتاق. إن تكرار العبارة في المتن يمنح العنوان وظيفة تأسيسية، تربط بين العتبة والنص، وتؤكد على مركزية الإعلان كفعل شعري وجودي.

⸻

ثانياً: الاستهلال وصورة الامتلاء

متى أعلنها تلك الربوع الخالية / أنها امتلأت وصارت الشمس شاهداً…

يستهل النص بتقنية التساؤل الزمني “متى”، التي تمنح النص طابع الانتظار والترقب. تتقاطع هنا ثنائية الزمان والمكان: “الربوع الخالية” كصورة مكانية جرداء، و”الامتلاء” كتحول جوهري يمنحها حياة جديدة. العصفور والشمس واللون الأصفر رموز للحياة والبعث، تقابلها مفردات الغروب والضياع. هذه الثنائية تخلق صراعًا داخليًا بين الخواء والامتلاء.

⸻

ثالثاً: البنية الصوتية والإيقاع

يشتغل النص على البعد الصوتي بوعي دقيق:

• تكرار التاء: صوت مهموس/انفجاري يوازي حالة الكتمان والانفجار، ويعكس التوتر الداخلي.

• تكرار الراء: صوت ارتجالي يوحي بالاهتزاز والاضطراب.

كما أن التنقيط (…)، الذي تلجأ إليه الشاعرة، يمثل إيقاعًا بصريًا وصمتًا مقصودًا، يفتح فراغًا تأويليًا للمتلقي.

⸻

رابعاً: الزمن الشعري والذاكرة

يتسم النص بتعدد مستويات الزمن:

• الماضي: فكرة تعثرت.

• الحاضر: تتوهج الآن.

• المستقبل: تعود من معضلة الوقت.

بهذا يبتكر النص زمنًا خاصًا بالشاعرة، زمنًا شعوريًا يتجاوز خطية الزمن الطبيعي، ويستحضر الأزمنة الغابرة كقوة فاعلة في الحاضر.

⸻

خامساً: اللون والدلالة البصرية

الألوان في النص ليست محايدة، بل تؤدي وظيفة رمزية:

• الأصفر: طاقة الشمس، الأمل، الفرح.

• البنفسجي: الحكمة، الصفاء، الروحانية.

• الغروب: لحظة مفصلية بين الانطفاء والبعث.

هنا تقترب القصيدة من لوحة تشكيلية متعددة الظلال، حيث يشتغل اللون بوصفه علامة سيميائية تمنح النص عمقه البصري.

⸻

سادساً: البنية الرمزية

• العصفور: رمز الحرية والانبعاث.

• الشمس: البصر والكشف.

• النجوم: دلالة النور الروحاني والهالة الكونية.

• الربوع الخالية: الذات القاحلة الباحثة عن امتلاء.

القصيدة بهذا المعمار الرمزي تبني جغرافيا شعرية تتحرك بين الأرض (الخواء) والسماء (الامتلاء/الانعتاق).

⸻

خاتمة

قصيدة (أعلنها) تمثل نصًا شعريًا مشحونًا بالتوترات النفسية والروحية، وتقوم على جدلية الخواء والامتلاء، الغروب والانبثاق، الصمت والإشهار. وقد استطاعت الشاعرة من خلال توظيف الرموز والألوان والبنية الصوتية أن تخلق نصًا مفتوحًا على التأويل، يتجاوز اللحظة الذاتية ليشكل رؤية شعرية كونية. إنها قصيدة اللحظة الحرجة بين الانفجار الداخلي والبوح المعلن، بين الانتظار والانبثاق.

——————

كلية الفنون الجميلة – جامعة المستقبل