إسحاق بندري يكتب عن رواية ”خلف الحجب” للروائية مريم هرموش


هذه الرواية تحمل تجريبًا مختلفًا يتطلب من القارئ كل تركيزه! وهي عمل يمزج بين السرد الروائي للكاتبة مريم هرموش والرؤية التشكيلية للفنان أحمد الجنايني الذي يصف هذا العمل بقوله: «وهي في سردها هذا تؤكد على سيريالية عالمها، أولاً، وروايتها كانت تخيفني غرابتها في بعض الأحيان، وكنت أشعر أنها تبصر بعيون تختلف عن عيوننا، وتنفذ إلى ما لا يستطيع أن يراه بشر عادي. أحيانًا حين تحدثني عن عوالم أخرى تحيط بنا، كنت أبتسم لسعة خيالها، وثراء فكرها بالرغم من يقيني أنها تصف شيئًا تراه رؤية العين أمامها، ولا تستحضره من محض خيالها وما إن تلمح الدهشة في عيني حتى تبتسم ابتسامتها العذبة المطمئنة وتقول لي: "لم يحن الأوان بعد لتطلع على ما خلف الحجب!"»
#خلف_الحجب
في هذا العمل تتجه مريم هرموش بذكاء وبلغة رقيقة نحو تقصي أسئلة وجودية محيرة عن غاية الحياة وماهية الحقيقة والهدف من الوجود الإنساني، من خلال شخصيات عجيبة كأنها تعيش في عالم غرائبي، ولهذا يحتاج القارئ إلى الاحتفاظ بتريكيزه مع تقدم صفحات الرواية وأحداثها.
بطل الرواية الذي لا نعرف اسمه يعيش في قرية لا تعرف #النوم ولم يجرب أهلها لذة النعاس والأحلام وتتناقص أعمارهم مع مرور الزمن باستثناء يونس المعمر الذي قايض الزمن بصوته لقاء الخلود ولم يسبق لأحد أن رآه، فهو تعبير عن كل يُعَمِّرُ في أذهاننا الجمعية من عادات وتقاليد وموروثات توجهنا وتسيطر علينا دون أن نتساءل عن قدر مصداقيتها.
#شمس
يقع البطل في غرام الجميلة "شمس" - وعليك أن تلاحظ دلالات الاسم وما يتضمنه من مجازات عن النور والبصر - ولكنها تختفي اختفاءً غامضًا في يوم الزفاف الموعود، ليمضي البطل في رحلة بحث شاقة عنها. في أثناء الرحلة ننتقل بين أزمنة وأمكنة تتوازى وتتقاطع على الدوام، كأن المرء يحيا حيوات مختلفة في الوقت ذاته، وقد يطول البحث دون أن يتسنى للمرء الإلمام بالحقيقة المنشودة.
وفي رحلته يلتقي بشخصيات غامضة مثل "سيدة النهر" التي تُذَكِّره بأن كل شيء سيعيد نفسه. هنا تتجسد الأزمة في سيرنا جميعًا على دروب مجهولة أملاً في العثور على الحب الضائع ومعنى الحقيقة، ولعل انعدام اسم البطل هو إشارة متعمدة تقصدها مريم هرموش لكي يرى القارئ نفسه فيه، في نشوة الحب والتطلعات، في خيبة الخذلان والفقد، في جدية السعي والبحث، وفي مرارة العجز عن الإدراك، ولكن نفسه الطيبة ترجو الخير وتكره أن تتلوث نفوس المحيطين بها بشوائب الضغينة والعنف والقتل، وتحاول أن تحول دون ذلك بقدر ما يتاح لها.
«حرر قلبك، ينجلي بصرك» ها هنا يكمن بيت القصيد كما يجيء قرب ختام الرواية التي تتجاوز الأطر التقليدية للسرد، فربما كان ما تبحث عنه أقرب إليك من نفسك ولكنك لم تلحظه وسط تخبطك. وتذهب الرواية إلى مدى أبعد برشاقة ولين، ولكن على القارئ أن ينتبه حتى لا يجد نفسه تائهًا في المتهات نفسها التي أحاطت بالبطل.
خلف الحجب - مريم هرموش
رؤية تشكيلية للفنان أحمد الجنايني
دار بدائل - 2023
#رواية
#مريم_هرموش
#أدب_عربي
#دار_بدائل
#ونس_wanas