أيمن سلامة: هدنتي السودان و أوكرانيا بين عيدي الفطر والفصح


استبشر العالم كله بحلول عيد الفطر المبارك منذ أيام قليلة ، حتي يصمت أزيز الطائرات ، وقعقعة البنادق ودوي المدافع في السودان ، وناشد الأمين العام دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وزعماء العالم بأسره الجنرالين المتحاربين البرهان و حميدتي ، أن يرجحا العقل و يحتكما للمنطق و يتشبثا بالنية الحسن ، من أجل حقن دماء السودانيين في عيد الفطر المبارك و لكن لم يفعلا .
فقد دعا كل هؤلاء رفيقي الأمس خصمي اليوم إلى هدنة إنسانية بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك ، كي يستطيع الفارين من مناطق النزاع العبور خلال ممرات إنسانية لمناطق و دول أكثر أمنا من السودان ، ويتم مداوة المري و تطبيب الجرحى ، ودفن الجثث ، و إيصال المساعدات الإنسانية للمكلومين السودانيين المحاصرين بين شقي رحي البرهان وحميدتي ، ولكن هيهات هيهات .
أما في أوكرانيا ، فقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة أثناء استعار الحرب الأوكرانية الروسية في أبريل العام الماضي الطرفان الدوليان المتحاربان لهدنة إنسانية لمدة أربعة أيام في الأسبوع المقدس، حتى عيد الفصح 24 أبري لعام 2022 .
لحد كبير سمحت الهدنة الإنسانية في أوكرانيا بفتح ممرات إنسانية، سمحت بمرور المدنيين المستعدين لمغادرة مناطق المواجهة العسكرية ، كما سمحت بالإيصال الآمن "للمساعدات الإنسانية المنقذة للحياة" للأشخاص في المناطق المتضررة بشدة بما في ذلك ماريوبول وخيرسون ودونيتسك ولوهانسك.
أما في السودان ، فالصورة أبلغ من الكلم ،والخروقات متواترة من كلا الطرفين المتحاربين ، ولكن في ذات المقام ، من المهم بمكان التأصيل القانوني لمفهوم الهدنة الإنسانية ، الذي يختلف تمام عن الهدنة التقليدية طويلة الأمد ذات الصبغة السياسية العسكرية في آن .
لن ينتهي النزاع المسل في السودان بالتوقف المؤقت للعمليات العدائية سواء توقفت هذه العمليات العدائية بمقتضي اتفاق وقف إطلاق النا طويل الأجل ، أو اتفاق الهدنة بين المتحاربين، بل ينتهي حقيقةً عند إبرام اتفاقات سلام تنهي حالة الحرب نهائيا وترسي لسلام شامل في السودان ، ولا يكون صورة طبق الأصل من كثير الاتفاقيات الأخيرة في السودان .
تختلط الهدنة الإنسانية بالعديد من المصطلحات الأخرى التي تتواتر منذ اليوم الأول للعمليات العدائية العسكرية في السودان ، والتي لا تزال مستمرة بين العدوين اللدودين البرهان و حميدتي ، ومن بين هذه المصطلحات: وقف إطلاق النار، والهدنة.
أولاً: وقف إطلاق النار:
هو مهلة قد يطلبها أحد أطراف النزاع، وتكون عادة محدودة المدة، تتوقف فيها العمليات القتالية بهدف إسعاف الجرحى ودفن القتلى، ومن ثم يمكن القول، أو لأجل تأمين الممرات الإنسانية اللازمة لغوث أو إجلاء المدنيين المحاصرين مثل الحالة الأوكرانية مؤخرا.
لذا فوقف القتال إجراء عسكري مؤقت وليس له صفة سياسية، ولا ينص فى ذلك الاتفاق على شروط ذات طابع سياسي ، ويمكن أن تساهم جهود دولة أو مجموعة دول أو منظمة دولية ( كما في حالة منظمة الإيجاد ) فى التوصل لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار.
ثانياً: الهدنة:
تُعرف بأنها تعليق للعمليات العدائية على كل الجبهات بين الدول المتحاربة، دون إنهاء النزاع، فالهدنة قرار سياسي يصدر عن السلطة السياسية صاحبة الاختصاص، وقد تكون محددة المدة كما يمكن أنّ تكون مفتوحة، على أنّ يحدد في نص قرار الهدنة ما يحظر ارتكابهُ من أفعال قد تلغيها ويستأنف القتال بعدها، ويجب على من يود استئناف القتال أنّ يبلغ الطرف الآخر بذلك إلاّ في الحالات الطارئة.
ويتحدد مضمون الهدنة الدولية من قبل أطرافها، وهو قد يشمل، إضافة للأعمال المحظورة، إنشاء مناطق منزوعة السلاح كما تم فى اتفاق الهدنة الشهير عام 1953 بعد انتهاء الحرب الكورية، والذى أنشا المنطقة منزوعة السلاح شمال وجنوب خط العرض 38، وإنشاء مناطق دفاعية، وتبادل أسرى الحرب .
إن أي إخلال جسيم بشروط الهدنة الواردة فى اتفاقها من جانب أحد الطرفين يعطى الطرف الآخر الحق فى نقضها ويعتبرها منتهية، وله فى حالة الضرورة القصوى أن يستأنف القتال مباشرة ، والهدنة مهما طال أمدها لا تعنى إلا مجرد وقف مؤقت للقتال بين أطرافها ،ولا تنهى قانونا حالة الحرب القائمة بينهم، فحالة الحرب لا تنتهى قانونا إلا بتوقيع معاهدة سلام مثل التي أنهت الحرب بين إسرائيل ومصر والتي أبرمتها الدولتين في مارس 1979، ومعاهدة وادى عربة عام 1994 التي أنهت الحرب بين إسرائيل والأردن.
يشرف علي تنفيذ اتفاقات الهدنة مراقبون دوليون محايدون ومستقلون ، و تدون دوما وترفق بها الخرائط التفصيلية بالإحداثيات المبينة لأوضاع القوات و مناطق فض الاشتباك ، والمناطق الحرام والمناطق منزوعة السلاح ،ومناطق الدفاع ،وغيرها من مسائل عسكرية وسياسية أيضا .