الثلاثاء 19 أغسطس 2025 07:53 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

أيمن سلامة : هل تُصبح الصين الشعبية وسيطا بين الدولتين المتحاربتين روسيا و أوكرانيا؟

النهار نيوز

تُعد الوساطة إحدى الآليات السلمية الرئيسة التي يتم اللجوء إليها لتسوية المنازعات والصراعات بأنواعها المتعددة، وفى مستوياتها المتنوعة، باعتبارها تمثل إحدى عمليات تخفيف الصراع وتخفيض حدته، وبهذا المعنى؛ فالوساطة إحدى وسائل صنع السلام التي تختارها الأطراف المعنية ذاتها، حيث يتحدد دور الوساطة فى تخفيف حدة الصراع وتخفيض - إن لم يكن إيقاف - سرعة تصاعده.

وطبقًا لآلية الوساطة؛ فإن الأطراف المتنازعة أو المتصارعة تجتمع معًا فى لقاء خاص يتم وجهًا لوجه، وبحضور بعض الوسطاء، وهم عبارة عن طرف ثالث، محايد، يعمل كمحفز تتحدد مهمته فى مساعدة الأطراف على التوصل إلى تسوية أو حل مقبول من كل الأطراف لقضايا النزاع أو الصراع بينهما ؛ فالوساطة تمثل إحدى الآليات السلمية التي تلعب المهارات الشخصية والمهنية للوسيط كطرف ثالث - بالتفاعل مع عوامل أخرى - دورًا رئيسًا فى تيسير توصل الأطراف المعنية إلى تسوية مقبولة أو حل مُرضٍ لصراعاتهم أو منازعاتهم.

وتتميز الوساطة فى الأساس بكونها اختيارية، وتتجلى هذه الصفة فى كل الأمور، فهي تحكم: مبادرة الوسيط، حيث لا شيء يلزمه بتقديم وساطته، وتتمتع الدول أطراف النزاع بحرية كاملة فى رفضها الوساطة، أو الانسحاب منها فى أي وقت، وفى نهاية المطاف نتيجة الوساطة ليست إلزامية ولا تفرض على أطراف النزاع.

فالوساطة: مسعى طوعي، تكون فيه موافقة الأطراف أمرًا حاسمًا من أجل القيام بعملية قابلة للتطبيق والتوصل إلى نتائج دائمة، ويتأثر دور الوسيط بطبيعة العلاقة مع الأطراف، فعادة ما يكون لدى الوسطاء مجال كبير لتقديم مقترحات إجرائية وإدارة العملية، بينما يتفاوت نطاق المقترحات الموضوعية ويمكن أن يتغير مع مرور الوقت.

وتستجيب عملية الوساطة الفعالة لخصوصية النزاع، وتأخذ فى الاعتبار أسباب النزاع ودينامياته، ومواقف الأطراف ومصالحها وتجانسها، واحتياجات المجتمع على نطاق أوسع، فضلًا عن البيئتين الإقليمية والدولية.

وفى بعض الحالات، قد ترفض الأطراف مبادرات الوساطة، وترى فيها تهديدًا لسيادتها أو تدخلًا خارجيًا، وقد توافق بعض أطراف النزاع على الوساطة- كما فى الحالة الإثيوبية الحالية- بينما لا توافق عليها أطراف أخرى، وعلاوة على ذلك؛ فإنه حتى يتم إعطاء الموافقة فقد لا تترجَم دائمًا إلى التزام كامل بعملية الوساطة.

وبمجرد إعطاء الموافقة على الوساطة؛ فمن الممكن سحبها فى وقت لاحق، إذا رفض أحد الأطراف استمرار الوسيط فى جهوده، وهنا يعلن الوسيط انتهاء الوساطة التي يمكن أن يبادر الوسيط أيضا بإنهائها حين يتيقن أنه لا جدوى من الاستمرار فى وساطته فى ظل تعنت أحد الأطراف أو جميعهم فى مواقفهم المتصلبة المغايرة.

ويُعد الحياد حجر الزاوية فى الوساطة، وينبغي أن يكون الوسيط قادرًا على إدارة عملية متوازنة يتم فيها التعامل مع جميع الجهات الفاعلة بشكل منصف، وينبغي ألا تكون له مصلحة مادية فى النتيجة. ويتطلب ذلك أيضًا أن يكون الوسيط قادرًا على التحدث مع جميع الأطراف الفاعلة ذات الصلة بحل النزاع ، ويعد حياد الوسيط الدولي حجر الأساس الذي تتأسس عليه أية وساطة بين الدول المتنازعة .

وبالنسبة لوسطاء المنظمات والهيئات الدولية؛ فإنهم يضطلعون بعملهم على أساس الولايات التي تحددها قواعد ونظم تلك الهيئة التي تعينهم. وبالتالي؛ فإن وسطاء منظمة الأمم المتحدة يعملون ضمن سياق ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة.

والوساطة قد تكون فى بعض الأحيان إجبارية لا يُشترط لقيامها رضاء الأطراف، وذلك فى الحالة التي يكون فيها أطراف النزاع قد وقَّعوا على اتفاقية ما تقتضى بأن يتم اللجوء إلى وسيلة الوساطة لحل الخلافات والنزاعات التي قد تنشأ فى المستقبل بين أي من الأطراف الموقعة على الاتفاقية، مثل البند العاشر من اتفاقية إعلان المبادئ لسد النهضة الإثيوبي عام 2015.

والخاصية المميزة للوساطة هي أن مجال حرية التحرك فيها مفتوحة لأقصى درجة، الأمر الذى يجعلها مصدرًا للمساوئ أو حتى المخاطر، فغياب قواعد محددة لهذا النوع من الإجراءات لا يمنح أطراف النزاع الضمانات التي تنتج عن كيفية تعامل الوسيط مع الأزمة، وتترك المجال مفتوحًا لمبادرة وعمل هذا الوسيط.

ختاما، و بالإشارة إلي ما تطرحه وسائل الاعلام عن وساطة صينية بين الدولتين المتحاربتين روسيا وأوكرانيا ، فمن المهم بمكان طرح الوسيط الصيني مقترحات التسوية علي الطرفين و التي تخضع لتقييمها و الرضي عنها من قبل الدولتين .