ايمن سلامة يكتب : تعديل معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية و التغير الجوهري في الظروف الأمنية في سيناء


تبدو أهمية مراجعة المعاهدات أو تعديلها، عندما يحدث تغير فى التوازن السياسي أو الاقتصادي أو الأمني الذي عقدت المعاهدة في ظله، أوعندما يتضح أن كل أو بعض نصوص المعاهدة يحتاج إلى تطوير أو تكملة حتى تتوافق مع الظروف والتوازنات والأوضاع الجديدة، ويقصد بالمراجعة إعادة النظر الشاملة لأحكام المعاهدة من أجل تغييرها، بينما ينصرف التعديل إلى بعض النصوص في المعاهدة أو الإضافة إليها.
القاعدة العامة بصدد مراجعة أو تعديل المعاهدات الدولية أن تتم مراجعة المعاهدة أو تعديلها بموافقة كافة الأطراف المتعاقدة (المتعاهدة)، ولا يمكن تعديل أو مراجعة المعاهدة بدون تلك الموافقة، إلا إذا كان هناك بين الأطراف إتفاق مسبق على خلاف ذلك، أو على نظام خاص يتبع في مراجعة المعاهدة أو تعديلها. ولقد تأكدت هذه القاعدة في اتفاقيتي قانون المعاهدات عام 1969 وعام 1978 ، بتقريرهما جواز تعديل المعاهدة باتفاق بين الأطراف يتبع في إبرامه ذات القواعد والإجراءات الخاصة بإبرام المعاهدات المقررة في قانون المعاهدات، ما لم تنص المعاهدة على غير ذلك. ويعني الاستثناء المشار إليه أنه يمكن للأطراف الاتفاق على اتباع إجراءات مبسطة في إبرام الاتفاق المراجع أو المعدل لنصوص المعاهدة السابقة.
ولا يلغي اتفاق التعديل أو المراجعة، المعاهدة الأصلية التي تبقى سارية بنصوصها المراجعة أو المعدلة، وذلك بعكس الحال عند إبرام معاهدة جديدة تغاير أحكامها أحكام المعاهدة السابقة، حيث تحل المعاهدة الجديدة محل المعاهدة السابقة في مثل هذه الحالة.
ولكن، هل اتفاق الأطراف المتعاهدة جميعا يعتبر أمرا ضروريا لمراجعة المعاهدة أو تعديلها؟.
لا تثير الإجابة على هذا التساؤل مشكلة بالنسبة للمعاهدات الثنائية، حيث لا تكتسب المراجعة ولا يكتسب التعديل القوة القانونية من حيث الإلزام والقابلية للتنفيذ إلا باتفاق بين الطرفين المتعاهدين، ولا شأن لغير الأطراف بهذا التعديل، وذلك تطبيقا لمبدأ نسبية أثر المعاهدات السابق عرضه. ولكن محل الصعوبة هي الاتفاقات المتعددة الأطراف، إذ من النادر أن تبدو الرغبة في المراجعة أو التعديل لدى كافة الطراف المتعاهدة في ذات الوقت، فقد لا يرغب بعض الأطراف في إجراء التغيير الذي يطالب به البعض الآخر .
من الثابت لدى أغلبية الفقهاء أن كل معاهدة دولية تحتوى على شرط ضمني مؤداه افتراض بقاء الأشياء على حالها، وأن التغير فى الظروف يؤثر فى استمرار العمل بالمعاهدة، وقد يستتبع انقضاءها ، أو تعديلها ، وتؤسس هذه الفكرة على اعتبارين مختلفين هما:
الأولى؛ فكرة الاتفاق الضمنى بين أطراف المعاهدة على بقاء الاشياء على حالها.
والثانى؛ هو حدوث التعارض بين الظروف الحالية وبين نصوص المعاهدة ، وأيا كان الاعتبار المأخوذ به، فإن النتيجة واحدة وهى إمكان اعتبار المعاهدة منقضية أي منتهية ، و التغير الجوهري في الظروف الأمنية – تحديدا – في المنطقة (ج) في سيناء لا يعوزه أي تدليل من جمهورية مصر العربية أو تشكيك من إسرائيل الدولة الطرف الثاني في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية .
والتغير الذي يستتبع هذا الأثر يجب أن يتعلق بواقعة أو وضع موجود لحظة إبرام المعاهدة وأن يكون جوهريا، والوقائع أو الأوضاع، وبصفة عامة، الظروف التي يؤدي تغيرها إلى تطبيق شرط بقاء الشيء على حاله، هي الظروف المادية أو السياسية أو القانونية أو الاقتصادية التي كانت موجودة أثناء إبرام المعاهدة.
لكن، هل يمكن لأي طرف متعاقد التخلي بمفرده عن الاستمرار في المعاهدة بحجة حدوث تغير جوهري في الظروف؟.
الثابت في العمل – عموما- هو ضرورة الاتفاق بين الأطراف على حدوث تغيير جوهري في الظروف يستتبع انقضاء المعاهدة، لذا تثور الصعوبات إذا ما تمسك أحد الأطراف بإنهاء المعاهدة على هذا الأساس، واعترض الطرف أو الأطراف الآخرين مطالبين باستمرار تطبيق المعاهدة، على أساس أن التغير ليس بجوهري، فيما عدا إمكان اللجوء إلى الوسائل القضائية لتسوية هذه الخلافات. ويرى بعض الفقهاء إمكان إنهاء المعاهدة بالإرادة المنفردة، وذلك على سند أن شرط بقاء الشيء على حاله هو شرط فاسخ ضمني في المعاهدة. ويعترض البعض الآخر على ذلك، متمسكين بضرورة الاتفاق واللجوء عند فشل الاتفاق إلى جهات التسوية الدولية .
ولقد أثير شرط بقاء الشيء على حاله كثيرا في العمل الدولي. ومن ذلك إعلان الاتحاد السوفياتي السابق في عام 1971 تحلله من الالتزامات المستمدة من معاهدة باريس المبرمة عام 1856 الخاصة بحياد البحر الأسود مستندا إلى تغير الظروف ، وكذلك تمسك تركيا بحدوث تغير جوهري في الظروف للتعديل من نظام المرور عبر المضايق التركية الذي وضعته اتفاقية لوزان عام 1923 ، وتمسك الحكومة المصرية بالتغير الجوهري في الظروف كسبب من أسباب مطالبتها بإلغاء معاهدة 1936 بينها وبين المملكة المتحدة .
وقد لوحظ أن عهد عصبة الأمم في المادة 19 منه، قد أجاز إمكان مراجعة المعاهدات الدولية بالتغير في الظروف ، بينما سجل مجلس العصبة في قرار أصدره عام 1935، قاعدة عدم جواز التحلل بالإرادة المنفردة من الالتزامات التعاهدية لأسباب من بينها التغير في الظروف.
ولم يحتو ميثاق الأمم المتحدة نصا مماثلا للنص الوارد في عهد عصبة الأمم. لكن محكمة العدل الدولية أكدت على أن التغير الجوهري في الظروف قد يكون سببا لإنهاء العمل بالمعاهدة أو وقف العمل بها، حيث قررت أنه من المسلم به في القانون الدولي أنه يمكن، إذا أدى تغير أساسي في الظروف، التي حملت الطرفين على قبول معاهدة ما، إلى تحول جذري في نطاق الالتزامات المرتبط بها، أن يعطي ذلك التغير في أحوال معينة، والطرف المتأثر مسوغا للجوء إلى المعاهدة أو وقفها .
إن تعديل المعاهدات الدولية يعني إضافة نصوص أو حذفها أو تغييرها أو إكمالها أو تتميمها لنص أو عدة نصوص من المعاهدة الأصلية ، وفي حال شمول التعديل علي نصوص كثير تتخطي تحمل النص الأصلي للمعاهدة فهنا تغير المعاهدة بمعاهدة جديدة تنصب علي ذات الموضوع الأصلي للمعاهدة القديمة
أما إشارة البعض لضرورة اشتراك الولايات المتحدة الامريكية – الراعية و الوسيطة في إبرام معاهدة السلام المصرية – فذاك زعم غير سديد فالولايات المتحدة الأمريكية ليست طرفا ثالثا في معاهدة متعددة الأطراف ، فالمعاهدة المبرمة بين مصر و إسرائيل في عام 1979 هي معاهدة دولية ثنائية .