السبت 2 أغسطس 2025 03:13 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

د.محمود أبوعميرة يكتب : اللغة العربية من روعة الجمال إلى دقة الكمال 

النهار نيوز

ما أعظم لغتنا الجميلة، وما أشرفها من لغةٍ حين ينزل بها القرآنُ، كلامُ ربِّ العالمين على قلبِ أعظمِ مَنْ نطق بها من البشر، وأُوتي على إثرِها جوامعَ الكلم، محمدٍ خاتمِ الأنبياء، والمرسلين صلى الله عليه وسلم. وما أعلاها من منزلةٍ، وأجمله من كرمٍ؛ فليس أدلّ على أنها ولدت بكل معاني الجمال، وروعة الكمال أكثر من ذلك الشرف والتكريم من الخالقِ العظيمِ؛ حيث وصف اللسان العربي بالفصاحة والبيان؛ فقال:"بلسانٍ عربيٍّ مبين".
وهكذا تنالُ لغةُ الضَّاد مكانةً مرموقةً بين لغات العالم قديمًا وحديثًا، وتصبح العربية نهرًا عذبًا لكل من أراد أن ينهل ويستقي من فنونِ الكلامِ والبلاغةِ والفصاحةِ والحكمةِ.
وحسبها أنها لغة القرآن الكريم، ومعجزة السنة النبوية الشريفة، وبهما يستدل على كلِّ مواطنِ الجمالِ والكمالِ في اللغة وحسن البيان، بل في سائر الحياة.
ولن نقف كثيرًا أمام التعريف بها أو إطرائها لكي نعظم من شأنها ومكانته؛ لأنها لا تحتاج إلى ذلك؛ فكلنا يعرف قدرها ومكانتها الرفيعة بين لغات العالم؛ فهي أكثرها غزارة في مادتها اللغوية، ومفرداتها، ومترادفاتها، ودلالتها، وبها من السحر والبيان ما لا يوجد في غيرها؛ فهي من اللغات الحية التي تحتوي على كثيرٍ من أسرار الجمال، كما أنها تمتاز بأسلوبها السلسل السهل وبُعدِها عن التعقيد والجمود.
ويزيد من مستوى جمالها، وحسن كمالها احتوائها على محسنات بديعية غاية في الروعة والجمال من: طباقٍ ومقابلةٍ وجناسٍ وسجعٍ وتوريةٍ، فضلاً عن أنها سهلةُ النطقِ ومريحة للسمع، وملهمة للفؤاد.
ولله درُّ الشاعر حافظ ابراهيم، حينما يتحدث عن عظيمِ جمالهِا، ودقة كمالها؛ فيقول:
وسعت كتابَ الله لفظًا وغايةً
وما ضقت عن آى به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلةٍ
وتنسيق أسماءٍ لمخترعات
أنا البحر في أحشائه الدر كامنٌ
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
أما أمير الشعراء أحمد شوقي فيتغنى بجمال محاسنها وكمال وصفها؛ فيقول:
إنَّ الذي ملأ اللغات محاسنًا
جعل الجمالَ وسرَّه في الضاد
ولقد تزايد الاهتام الرسمي والعالمي بلغتنا العربية، فالأمم المتحدة على الصعيد الرسمي العالمي تحدد يوما للاحتفال بها، وهو الثامن عشر من شهر ديسمبر من كُلِّ عامٍ، وتجعلها الرابعة عالميًّا بين لغات العالم، ومع ذلك فإننا نؤكد على أنها ليست الرابعة لكونه تصنيفا يرتب اللغات من حيث القيمة والجمال والكمال، بل هو تصنيف يرتب أصحاب الناطقين باللغات من حيث عدد السكان فحسب.
وقد أجمع علماء اللغة من العرب والمستشرقين على أن العربية تمثل كنزًا من الثراء والجمال لا ينضب، أو ينقص أبدا. وهي أرث ثقافي وحضاري لا يستهان به، يجعل من أهلها أغنى سكان الأرض تبيانًا، وحديثًا، كما تجعلهم الأكثر إشعاعا بنور العلم وروح المعرفة. وهي لغة إذا وقعت على السمع طاقت النفس إليها شوقا وترنَّم شاديها سحرًا وجمالاً.
أما عن جمال استخدامها فهي لغةٌ ملهمةٌ تحثُّ ناطقها، وكاتبها على أن يبدع في استخدامها، كما أنها تمثل طريقةً مُمتعةً في عمليتي التعليم والتعلم. واللغة العربية لا تعجز عن الاستخدام مع كل العلوم والمعارف؛ بل هي قادرةٌ على الوصول بهم إلى أعلى مستويات التميز، والابتكار، والإبداع.
والقارئ الجيد للتاريخ يدرك أن اللغة العربية نقلت العلوم وألوان المعرفة إلى الكثير من دول العالم، ومنها دول أوربا نفسها فنقلتهم معها من عصور الجهل والظلام إلى نور العلم وعظمة المعرفة. ثم كانت سببًا في تقدم هذه الدول وتطورها.
ولأن لغتنا الجميلة صالحة للاستخدام، والتوظيف في كل زمانٍ، ومكانٍ؛ فهي تستطيع من خلال ثرائها اللغوي، وما لديها من جمالٍ، وكمالٍ أنْ تضيفَ إلى مختلف المجالات العلمية والفكرية ما يجعلها جميعا أكثر إبداعا ورقيا. ولأنها نبعٌ لا ينضب من البيان والقدرة على الاستخدام السهل والعذب؛ فهي تمكن مستخدميها من إخراج ما يريدون من جمالٍ وإبداع؛ فهناك علاقة وثيقة بين اللغة العربية واستخداماتها وبين الفكر المبدع؛ لأن مفرداتها وجمالياتها اللغوية تقود مستخدميها دائما إلى الفكر المبدع، والمتطور؛ فالفكر واللغة كلٌّ منهما يصنع الآخر.
فعلى الرغم من أنها بدأت من البادية، ثم انتقلت إلى الحضر، وكل ربوع الدنيا؛ إلا أنها ظلت محتفظةً بقوة بنيانها، وحسن بيانها. ولأن العربية متقدمة فكرًا واشتقاقًا، فحتمًا سوف تتقدم على مستوى استخداماتها الحديثة سواء على صعيد العلوم المتقدمة أو التكنولوجيا العصرية وكذلك الفنون والآداب.
فلغتنا الجميلة قادرةٌ على مواكبة، ومسايرة التطورات العلمية العالمية، والاختراعات التقنية المتعددة التي شهدتها العقود الأخيرة، لاسيما في مجال المعرفة الرقمية والاتصالات والاقتصاد. كما أنها قادرة على أن تصبح من جديد لغةَ العلم، والتكنولوجيا، والاكتشافات فلم تعجز يومًا عن وصف أي اختراع أو آلة. كما لم تعجز أيضا عن مسايرة نتائج العلم الحديث، والتقني؛ وذلك بسبب اتساع طاقاتها الاستيعابية المعجمية بالمقارنة باللغات الأخرى.
واللغة العربية بها من المرونة والعذوبة والطلاقة ما يجعلها قادرةً على الانفتاح على كل لغات العالم. خاصةً في ظل الاستفادة من ظواهر الإعراب، والاشتقاق بكل أنواعه، وظاهرة التعريب والتعميم. مما أعطى الفرصة لباقي اللغات للاستفادة منها.
ومن الجدير بالذكر أن القرآن الكريم الذي نزل بهذه اللغة الرائعة قد نزل به كثير من الحقائق العلمية التي تمثل حالة من الإنجاز والانبهار لدى كل علماء الأرض، ومن هذه الحقائق ما يتعلق بالأجنة، والفلك، والطبيعة، وفي هذا دليلٌ قاطعٌ للرد على من يقول: إنَّ اللغة العربية غير صالحة لكل زمانٍ، أوغير قادرة على استيعاب المستجدات الاقتصادية ومسايرة النظريات العلمية والتقنية والتعبير عنهم وتفسيرهم.
واذا كان أهل اللغة العربية، لاسيما القائمين على تعليمها والمسؤولين عن حاضرها ومستقبلها بين لغات العالم، إذا كانوا قد قدموا لها الكثير في مواطن عديدة؛ لإظهار جمالها وكمالها، فمن الضروري، بل الواجب عليهم الآن، ولاحقًا أنْ يصلوا بها إلى الاستخدام الفاعل مع كل ألوان العلم الحديث. ليس فقط للوصول إلى ما تستحق اللغة العربية من مكانةٍ رفيعةٍ، ولكن حتى تستطيع كل العلوم أن تستفيد من جمال استخدامها وكمال توظيفها في لغة التحدي والإعجاز العلمي والفكري.
ولأهل اللغة العربية أقول: إنَّ ما تلاقيه لغتنا الجميلة في الوقت الحاضر من تهميشٍ وإهمالٍ من بعض أهلها قد يبعدنا عن هويتنا ورمزيتنا وتاريخنا المشرق. وهذا التهميش بكل تأكيد سيصيبه الفشل والإخفاق؛ فما دامت هي لغة القرآن الكريم فلا يمكن أبدا أن تندثر ولا يمكن أن تكون إلا أنها في الطليعة من كل لغات الأرض، ويجب علينا جميعا الاعتزاز بها والمحافظة عليها من أى تشويه؛ فروعة جمال لغة الضاد تنبع من تميزها، وتفردها، أما دقة كمالها فتحقق لا محالة من كونها لغة الأنبياء، ولغة قراء القرآن الكريم كلام ربِّ العالمين.
ولقد عرف المستشرقون جمال اللغة العربية، تقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكة :" كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم جمال هذه اللغة ومنطقَها السليم وسحرَها الفريد ؟ فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صرعى سحر تلك اللغة". ويقول الأستاذ مرجليوت الأستاذ بجامعة أوكسفورد: "اللغة العربية لا تزال حية حياة حقيقية، وهي واحدة من ثلاث لغات استولت على سكان المعمورة استيلاءً لم يحصل عليها غيرها". ويقول المستشرق بارثلمي هربلو: "إن اللغة العربية أعظم اللغات أدبًا، وأسماها بلاغة، وفصاحة وهي لغة الضاد".
كما يقول جون فرن: "إن مستقبل الأدب في العالم العربي هو اللغة الفصحى وحدها الزاخرة بالثروة، والغنى، والتراث". ويقول المستشرق جاك بيرك: "اللغة العربية لغة المستقبل ولا شك أنه يموت غيرها وتبقى حية خالدة".
وفي الختام؛ أقول: عزيزة أنت يا لغة الضاد، فريدة في جمالك، آسرة في كمالك، نفيسة في لفظك، رائعة في معانيك؛ لذا وقع عليك الاصطفاء والاختيار لتحملي كتاب الله، ورسالته.