أشرف محمدين يكتب: التواضع.. درع الإنسان في زمن المظاهر


في زمنٍ تعالت فيه أصوات المظاهر وضاع صوت القيم، بات التواضع عملة نادرة لا يتداولها إلا القليلون. أصبح البساطـة تُتهم بالسذاجة، واللين يُنظر إليه كضعف، والإنسانية تُعد من بقايا زمنٍ مضى.
نعيش اليوم وسط سباقٍ محموم نحو المظاهر، تُقاس فيه القيمة بما نرتدي لا بما نحمل من أخلاق، وبعدد المتابعين لا بصدق القلوب. غير أن الحياة لا تلبث أن تُذكّرنا بحقيقتنا حين يطرق المرض باب أحدنا، فلا يسأل عن رصيدٍ في البنك ولا عن جاهٍ أو منصب، بل يسوّي بين الجميع على سريرٍ واحد، ليؤكد أننا بشر مهما تظاهرنا بالقوة.
كم من متكبرٍ ظنّ أن الدنيا لا تدور إلا بإذنه، فسقط في لحظة ضعفٍ أعادته إلى حجمه الحقيقي، وكم من متواضعٍ عاش بسيطًا، فخلّده الناس في القلوب بعد رحيله، لأن الكبر يورث الكراهية، بينما التواضع يورث المحبة.
التواضع لا يعني التقليل من الذات، بل أن ترى الآخرين بقيمتهم الإنسانية الحقيقية. هو أن تُدرك أن الشرف لا يُقاس بما تملك، بل بما تُعطي، وأن تمتد يدك بالعون بدلًا من رفع رأسك تعاليًا. ففي لحظات الضعف، عندما يهاجمنا المرض أو الفقد أو الوجع، نكتشف أن التواضع ليس خلقًا اجتماعيًا فحسب، بل درعًا روحيًا يحمي القلب من القسوة.
من يتواضع يعيش بسلام، لا يرهقه الغرور ولا تستهلكه المقارنات، لأن الكرامة لا تأتي من التكبر، بل من صفاء القلب. ولهذا وعد الله المتواضعين بالرفعة، فقال في الحديث الشريف: «من تواضع لله رفعه».
فيا من تغرك الدنيا ببريقها، تواضعوا…
لأننا جميعًا نُدفن في التراب ذاته، لا تميّز بيننا شهادات ولا حسابات.
وتذكّروا أن المرض لا يعرف التمييز، والجنة لا يدخلها متكبرون، بل أصحاب القلوب الرحيمة الذين أدركوا أن أعظم ما في الإنسان… إنسانيته.