أشرف محمدين يكتب: خيانة المجالس.. حين تتحول التكنولوجيا إلى أداة غدر


في زمن يتسابق فيه العالم نحو التطور التكنولوجي، كان يُفترض أن تكون وسائل الاتصال الحديثة جسرًا للتقارب ووسيلة لتسهيل الحياة. غير أن الوجه المظلم لهذه الوسائل كشف عن ظاهرة اجتماعية خطيرة باتت تهدد قيمنا وعلاقاتنا: خيانة المجالس.
من الأمانة إلى الانتهاك
كان الناس فيما مضى يعتبرون المجلس حرمة، والكلمة أمانة، والسر عهدًا لا يُفشى. وقد أكد الرسول ﷺ هذا المعنى بقوله: “إنما المجالس بالأمانة”. غير أن هذا المبدأ بدأ يتآكل مع دخول التكنولوجيا، حيث صار البعض يستغل الهواتف الذكية والتطبيقات لتسجيل المكالمات خلسة، أو تصوير الجلسات، أو تسريب الرسائل الخاصة عبر “سكرين شوت” تُنشر في العلن.
خطر يتجاوز الأفراد
هذه السلوكيات لم تعد مجرد حالات فردية معزولة، بل تحولت إلى ظاهرة تتكرر في جلسات الأصدقاء، بيئة العمل، وحتى بين أفراد الأسرة الواحدة. ومعها تراجعت الثقة، وأصبح الحديث البسيط مهددًا بأن يُحوَّل إلى مادة متداولة تُفسد العلاقات وتزرع الشك.
يكفي مقطع مقتطع أو رسالة مجتزأة لتهدم بيتًا أو تزرع عداوة بين أصدقاء عمرهم سنوات طويلة.
من النصيحة إلى الفضيحة
خطورة هذه الممارسات لا تقف عند حد انتهاك الخصوصية، بل تمتد إلى فتح باب الفتنة والنميمة. فكلمة قيلت في لحظة غضب قد تتحول إلى أداة للتشهير عبر إعادة النشر، ليتحوّل المجلس من مساحة أمان إلى ساحة لتصفية الحسابات.
مسؤولية دينية وإنسانية
الدين الإسلامي شدد على صون الأسرار واحترام الخصوصية، واعتبر الأمانة خلقًا جامعًا يشمل المال والكلمة على السواء. ومع ذلك، يتباهى بعض الناس اليوم بما يلتقطونه أو يسجلونه، غير مدركين أن هذه الخيانة قد تعود عليهم بالضرر قبل غيرهم، وأنها تُسهم في تفكيك الثقة داخل المجتمع.
دعوة لإحياء الضمير
خيانة المجالس ليست مجرد سلوك عابر، بل جرح عميق في قلب العلاقات الإنسانية. وهي مرض اجتماعي يتخفى خلف التكنولوجيا، لكنه في جوهره أبشع صور الغدر.
إن الرسالة التي يجب أن نعيها جميعًا واضحة: احفظ سر غيرك كما تحب أن يُحفظ سرك. ولا تجعل من هاتفك خنجرًا يطعن خصوصية الناس.