الإثنين 6 مايو 2024 09:03 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

أدب وثقافة

قصة قصيرة

د. تامر عزت يكتب : أنا والمجنون

الأديب تامر عزت
الأديب تامر عزت

رأيت صورته أمامي في الفيس بوك، وعدت بذاكرتي لسنوات طويلة بعيدة ، يوما ما كنت قد اقتربت من هذا الصديق صاحب الصورة ، كنت أحسبه مجنونا في باديء الأمر ، كانت عيناه شديدة الاتساع دائما ، وكأن ليس له جفون كي ترتخي بعض الشيء، شككت في أنه مُدمن لأحد الأدوية المخدرة التي تجعله يقظا طوال الوقت ،عصبية العين أحدثت ابتعاد لإحدى بؤبؤ العين عن الوضع المألوف ، لم يكن به حَوَل إنما حَوَر ، لم أراه يبتسم ، جاد جدا في حضوره للمحاضرات والسكاشن العملية ، كلية الطب تحتاج إلى الإلتزام والجدية ،اقتربت منه ، حذروني، إنه مجنون، لا يشبهك، انت عشوائي ، هو ليس كذلك ، أنت وهو، هو وأنت ، وهكذا صارت المقارنة تطول حتى أمسكت بمقص وقطعت تلك القائمة قبل أن تلتف حول أعناقنا، البداية كانت اللحية ،لحيته خفيفة تتخللها بعض الفوارغ ، سألني عن الصلاة واندهش لعدم ذهابي لمسجد الكلية ، وجدتني أخطو خطواتي الأولى نحو اعتناق دين الإسلام وكأنني أُولد من جديد ، اندهش الجميع من هذا الحبو على أربع ، لم أخبرهم بأن صديقي جميل الطبع ، وسرعان ما سارت الأمور وتبدلت الأحوال وأطلقت لحيتي، ضربوا كفا على كف، أمعقول ؟ تركت الفتيات وأقلعت عن النكات بسبب هذا المجنون، والله أنكم المجانين ، اهتممت بالمذاكرة والمذكرات وبدلا من الزحف تعلمت المشي إلى المكتبة ،كانت أرفف الكتب وكتبها المغلفة بالجلد الأسود جعلني أنتظم في السير ، الشيخ الدكتور راح ، الشيخ الدكتور عاد ، الشيخ الدكتور طلق الدنيا وصار من أهل العلم و الإيمان ، وماذا في ذلك؟ أنتم هواة الدنيا ومحترفيها ، تمر السنوات وأنا ملاصقا للمجنون، فأصبحت صورة كربونيه منه ، متلزم، متفوق، سعيدا بلحيتي ، تخرجنا من كلية الطب استعدادا للمعارك الواقعية ، وابتعد المجنون عنّي، فاصبحت كالراقصة العارية في ملهى ليلي رخيص ليس هناك من يطبل لها لكي ترقص ، أين صديقي ؟ ماذا أفعل ؟ صرت مجنونا به ، كالمدمن الذي لم يستفق من إدمانه بعد ، حتى جاء اليوم ووجدته بين أجساد البشر في حفل التخرج ، استبشرت خيرا ، عرفته من عينيه ، وصُدمت ، فقد حلق لحيته ، ماذا ؟ وقفت قريب منه غير مصدقا ،كان يحاور أحد أساتذة الجامعة ، سمعته يشتكي من بعض رجال أمن الدولة في مراقبته وطلبوا منه حلق اللحية والابتعاد قليلا عن المسجد وأن يطفيء ميكروفون الدعوة الذي بدأه ، وجاءت النصيحة قاتلة في قلبي ، حلق اللحية،ابتعد عن الدروس الدينية لأنه غير مؤهل لها من الأساس ،أنت طبيب ولست عالما دينيا ، فليقفلوا الأزهر إذن ، الاستعداد للسفر إلى اوروبا لاستكمال ما بدأ ، وأنا ؟ ، ما شدني إليه والجلوس بجواره في المحاضرات أنه لم يكن يسجل كل ما يقوله المُحاضر، كان فقط يكتب عناوين ، يدون أسماء العلماء! ، لا شيء يهمه من المحاضرة غير القليل، ومع ذلك كان تقديره إمتياز ، وها هو الإمتياز يطير إلى من يقدرون العلم والعلماء ، أما الدين فقد وقر في القلب، أفقت من شرودي وغفلتي واستعدت شخصيتي، وجدتهم ينتظروني على باب الدنيا ، مهللين،مرحبين ، فخورين بهذه الخبرة التي لا بأس بها ، خلعت ملابس المجنون وقطعت رأسه وحلقت ذقنه فظهرت أنا في المرآة كما تعودت منذ قديم الزمان، أما هو فلم أرسل له طلب صداقة ،اكتفيت بالحظر والحنين لنصف ساعة من الذكريات الماضية ، فأنا مازلت ألهث بين منطقة جنونه ومنطقة العبث التي تركتها يوما ما.

تامر/عزت