د.محمود أبوعميرة يكتب العمر نسخة لا تتكر فكن رائعا


كل إنسان منا يعيش حياته مرة واحدة وهذه المرة لن تتكر له وسوف يرحل كل منا عن هذه الدنيا لا محالة إلى عالم آخر يختلف عن عالمنا الذي نعيش فيه ، عالم لا ينفع فيه مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم ، ولندرك جميعا أن رسالتنا في الحياة أن نكون انقياء لا أثرياء بامتلاك المادة ومتاع الدنيا فكل نعيم الدنيا زائل وكلنا راحلون وهذه هي الحقيقة التي لم يختلف عليها أنسان قديما أو حديثا.
فقبل مائة عام لم يكن أحد ممن هم على قيد الحياة الان موجود وبعد مائة عام أخرى لن يكون فرد منا موجود على قيد الحياة ، وسنكون كلنا مع اصدقائنا وكل من نحب وكل من نعرف ومن لا نعرف تحت التراب، وسيسكن أناس غيرنا المنازل التي بنيناها وظللنا طوال حياتنا نجهز لها وسيمتلك اشخاص آخرون كل ما كنا نمتلكه في هذه الحياة وكل ما أفنينا السنين فيه كي نجمعه.
بعض احفادنا لن يعرفوننا ولن يعرفوا الكثير عنا بل ربما لن يتذكروا شيئا عنا والدليل على ذلك ان كل منا لا يعرف جده لابيه أو الجد الذي يسبقه ولم يراه.
بعد رحيلنا ربما يتناول ذكرانا من هم بعدنا عدة سنوات وبعدها ستصبح ذكرانا مجرد صور على جدران المنازل دون حياة أو روح تسكنها ، سنكون مجرد صور لدى أحد احفادنا وبعد عدة عقود أخرى من الزمان ستصبح صورنا القديمة جزءا من التاريخ البعيد حتى نسقط من حسابات الزمن وحتى ننسى بالكلية.
وما هي قيمة ذكرانا إذا لم تكن رائعة في حياة من بعدنا واذا لم تبرهن على روعة ما كنا نعمل ونقدم.
إذا فكرنا في تلك المعاني قليلا سنجد أن القلق الذي نعيشه الان على كل ما نتطلع في الحصول عليه في المستقبل من أمور الدنيا وكل ما يشغل بالنا كل يوم هي أمور بلا معنى بلا ذكرى بلا قيمة ، إذا ايقنا تلك الدلالات الهامة وشكلت أعماق يقيننا فسوف تتغير أفعالنا إلى الأفضل لا محالة وقد نشعر بسعادة لم نستطيع الوصول إليها والاحساس بها لو انفقنا كل ما نملك كي نشعر بها.
وقد نشعر أيضا بعد ذلك بأننا يمكن أن نكون سعداء ونستمتع بحياتنا على قدر ما فيها مهما كان قليلا ، وسوف تدفعنا أنفسنا إلى استغلال ما بقى من عمرنا فيما ينفعنا بعد الرحيل الذي هو حقيقة لا مفر منها وفيما يمكن أن ندخره لحياتنا الأبدية التي هي دار البقاء لا دار الفناء والرحيل ، أن حياتنا في هذه الدنيا لا تمثل أكثر من بروفا لحياة قصيرة جدا ، علينا أن نتذكر كل هذه المعاني جيدا ولا نهتم كثيرا بما لم نستطيع الحصول عليه من متع الدنيا ، ولا نقضي أكثر الوقت مهمومين بما لم تحصل عليه.
فكل منا يحتاج وقفة جادة مع النفس والعقل والضمير الإنساني ليفكر بكل منطق وحكمة ليدرك بعدها أن الطريق الوحيد لنجاته وسعادته التي لا تنتهي في الآخرة هو فقط أن يظل بأعماله وأخلاقه الحسنة واقعا رائعا في حياة من حوله حتى إذا رحل عن الدنيا أصبح أيضا ذكرى رائعة في حياة من بعده.
والسؤوال الذي يطرح نفسه كيف يكون الانسان واقعا رائعا بين الناس وكيف سيصبح بعد رحيله ذكرى رائعة أيضا لمن بعده؟ والاجابة على هذا السؤوال تكمن في أن يترك كل منا أثرا رائعا قبل رحيله ، وكي نترك هذا الاثر الجميل يجب أن نحرص على تقديم الاعمال التي يتعدى نفعها في الحياة إلى من حولنا ويجب أن نستخدم كل ما نملكه من نعم في نفع المحيطين بنا ، فسيعلم كل منا بعد رحيله أن أعظم ما يقدمه المرء لنفسه بعد رحيله هو إسعاد الآخرين.
واذا كان الرحيل هو الحقيقة التي لا مفر منها في حياتنا فسيأتي الوقت الذي نودع فيه الأماكن والأشخاص والتجارب والحياة.
ولكن ما الذي يمكننا تركه وراءنا قبل أن نرحل؟
عندما ننظر إلى الرحيل، يمكننا أن نفكر في الأثر الذي نتركه خلفنا، فالحياة ليست فقط عبارة عن اللحظة الحالية، بل هي مزيج من الذكريات والتأثيرات التي نخلفها. وبالتالي، من المهم أن نحاول ترك أثر إيجابي ومؤثر قبل أن نرحل.
قد يكون للكلمة الطيبة والابتسامة تأثير كبير على نفوس البعض فالتفاعلات الإيجابية يمكن أن تبني ثقة وتعزز العلاقات وتكوّن ذكريات جميلة.
وقد يكون الأثر الايجابي الذي يتركه الانسان في أن يساهم في الحفاظ على الطبيعة والبيئة بأكملها عبر الاهتمام بجعلها جميلة ومفيدة ومن خلال والعمل على تقليل الأثر السلبي فيها.
ومن المهم أيضاً ترك أثر في المجتمع بين الناس ، من خلال المساهمة فيه وخدمته. ويمكن أن تكون المساهمة في العمل التطوعي أو دعم المشاريع الاجتماعية والخيرية وسيلة لترك أثر إيجابي ودائم في المجتمع.
ويجب أن نعرف أن الأثر الذي نتركه ليس فقط في الأشياء الظاهرية، بل يكمن أيضاً في القيم والتعاليم التي ننقلها. قد يكون ترك الأثر في شكل معرفة أو تجربة قيمة يمكن للآخرين الاستفادة منها وتطوير أنفسهم.
ويجب أن نعيش لا بد أن نترك من بعدها أثرًا إيجابيًا، يظل هذا الأثر من خلفنا ذكرى جميلة ومصدر لإلهام الآخرين. فلنسعى دائمًا لترك بصمة إيجابية تعكس قيمنا وتأثيرنا الحقيقي على هذا الحياة.
فروعة الانسان بقدر ما يتركه حسن اخلاقه ومعاملاته مع الناس من أثر طيب ، (يقول النبي الكريم سيدنا محمد عليه الصلاة والاسلام ان الله حرم النار على كل هين لين سهل قريب من الناس) وتلك روعة الحياة وهي أن يتحقق في المرء هذه الصفات الاربع وحتى يكون واقعا رائعا بين الناس أثناء حياته ويصبح بعد رحيله ذكرى أكثر من رائعة في نفوسهم ، فحال المرء كل لحظة من لحظات حياته يقول له اترك اثرا قبل الرحيل وكن رائعا.