السبت 27 يوليو 2024 02:01 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

أيمن سلامة : لماذا يطالب الليبيون بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في كارثة درنة المفجعة ؟

النهار نيوز

طالب المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، أمس الأربعاء ، بإجراء تحقيق دولي شامل في أسباب كارثة مدينة درنة وإعلانها مدينة منكوبة ، كما طالب المجلس في بيانه باتخاذ ما يلزم من الإجراءات لاستصدار قرار دولي بهذا الشأن .

وطالب المحتجون الليبيون بفتح تحقيق مستقل في فشل الحكومة في إدارة الأزمة وأسباب تهاون الجهات المسؤولة عن صيانة السدين وحدوث الكارثة ، كما طالبوا باستقالة رئيس البرلمان عقيلة صالح وإعادة بناء المدينة تحت إشراف دولي وتحقيق الوحدة الوطنية منددين بالانقسام والفرقة التي تسيطر على المشهد السياسي الليبي.

وطالب بيان لأهالي درنة النائب العام الليبي بالإسراع في الكشف عن نتائج التحقيق في ملابسات صيانة السدين ومحاسبة المسؤولين واتخاذ الإجراءات القانونية والقضائية ضدهم، وناشد الأهالي بعثة الأمم المتحدة دعم ليبيا بفتح مكتب لها بمدينة درنة وتكليف مكتب استشاري دولي لإعداد جميع الدراسات الهندسية والمساحية والمالية المتعلقة بعملية إعادة إعمار المدينة تحت رقابة دولية وتعويض المتضررين.

تصاعدت في ليبيا مطالب شعبية وسياسية وبرلمانية فور وقوع أكبر كارثة إنسانية تشهدها ليبيا في تاريخها في مدينة درنة بضرورة تشكيل لجنة تحقيق دولية، تضم قضاة ومحققين يتمتعون بالنزاهة والحرفية والحيادية لكشف الملابسات الكارثية المتعلقة بإهمال المسؤولين الليبيين ، وتحديد المسؤولين عن كافة الأسباب التي أدت اتضاعف الخسائر البشرية و المادية جراء إعصار دانيال في مدينة درنة ، وتحقيق العدالة في نهاية المطاف.

وعَزت كافة المطالبات المتقدمة بضرورة الاستعانة بلجان دولية إلي فقدان الثقة في اللجان الوطنية، فضلا عن حجم الحادث، وأن المشتبه في مسؤولياتهم المختلفة عن وقوعه لا يزال معظمهم يشغلون مناصب رسمية رفيعة في البلاد .

يدلل الليبيون المطالبون بتشكيل لجان دولية البواعث التي لا تجعلهم يثقون في المؤسسات الوطنية وأن الإهمال الحكومي صار ديدنًا يُطبق علي أداء كافة المؤسسات و الهيئات الحكومية في ذلك البلد المكلوم، وأن ذات المؤسسات لم تكن حريصة علي حياة المواطن الليبي فيستحيل الوثوق بها

يعترف القانون الدولي بحق الضحايا وأسرهم في معرفة الحقيقة، و بالمقابل يقع على عاتق الدول مسؤولية التحري عن تلك الحقيق ونشرها بشفافية ، ويهدف كشف الحقيقة لتحقيق أمرين أساسيين، الأول: أن الحقيقة ضرورية لاحترام كرامة الضحايا وإعادتها إليهم، والثاني: أن المصلحة الجماعية للمجتمع تتطلب فهم حقيقة ما جري حتي يستطيع المجتمع الذي تشظي بفعل التوجهات الطائفية أو الحزبية أن يتصالح ويلملم أشلاءه ويمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات.

لقد شهدت حقبة الثمانينيات والتسعينيات في القرن الماضي، تطور آلية جديدة للسعي إلى تحقيق المساءلة والمصالحة، وهذه الآلية نشأت أساساً بهدف التحري عن الحقيقة والكشف عنها، وهي لجان الحقيقة و التي يشار إليها بعدة أسماء مثل :لجان التحقيق أو لجان التحري، و هي أجهزة رسمية أو شبه رسمية يتم تشكيلها لفترة محددة من الوقت ، عادة للتحري عن انتهاكات لحقوق الإنسان وقعت خلال فترة سابقة ونشر تقرير عن النتائج التي توصلت إليها، وشكلت لجان في عدد كبير من الدول إلا أنها انتشرت بشكل خاص في أمريكا اللاتينية أثناء مخاض الدمقرطة الذي شهدته معظم القارة اللاتينية، واللجان المعروفة على نطاق واسع هي اللجان التي مارست عملها في شيلي، والأرجنتين، والسلفادور، وجنوب أفريقيا.

إن إثبات الحقيقة بصورة رسمية ليس كإثباتها في تقرير أكاديمي، أو في تقرير قامت بتجميعه منظمة واحدة، أو عدة منظمات غير حكومية، أياً كانت قيمة هذه التقارير، واعتراف الدولة رسمياً بالحقيقة يعني أن عليها القبول بأية مسئوليات سياسية وأدبية يمكن أن تنشأ عن ذلك .

.

أما بالنسبة للشفافية التي تُعد علانية التحقيقات وكشفها للجمهور المتلهف لمعرفة الحقيقة أحد أهم معاييرها، فما يعوق أحيانا تحقيق هذا المتطلب الحيوي تعرض أمن أعضاء اللجنة والشهود للخطر، لذلك فإن الوضع السياسي والأمني في الدولة يحدد التوازن الضروري بين الجلسات العلنية وغير العلنية، وهنا يسطع السياق الليبي بالدليل الدامغ علي أهمية مراعاة البعد الوضع السياسي والأمني في هذا الصدد .

وباستعراض لجان تقصي الحقائق تجدر الإشارة إلى أن هناك عدة عوامل يرتبط كثير منها ببعضه البعض وتسهم بشكل ملموس في نجاح هذه اللجان، فيجب أن تعمل اللجنة في مناخ سياسي يدعم عملها، ويجب أن يتمتع أعضاء اللجنة بالكفاءة، و يجب أن تتمتع اللجنة باستقلال عملي كامل في تفسير وتنفيذ المهام التي فُوِّضت فيها، ويجب أن تتسم إجراءات اللجنة بالعدل والمصداقية، ويتعين على اللجنة أن تراعي عقد بعض الجلسات العلنية، وأن تتخذ تدابير أخرى لتشجيع المشاركة الشعبية إلى الحد الذي تسمح به القيود الأمنية والقيود الأخرى، ويجب أن يتاح للجنة كافة الأدلة والشهود، ويجب أن تتوفر للجنة الموارد الكافية ، ويجب أن تلقى اللجنة مساندة من المجتمع الدولي عند الضرورة، ويجب أن ينشر تقرير اللجنة على نطاق واسع وفي الوقت المناسب.