السبت 27 أبريل 2024 03:18 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

أيمن سلامة : ضرورة المفاوضات المباشرة بين الطرفين المتحاربين في السودان

النهار نيوز

تعتبر المفاوضات المباشرة إحدى أهم الوسائل لتسوية النزاعات على اختلاف مجالاتها بين الدول سلمياً، وتحتل فى القانون الدولي المركز الأول والرئيس بين كافة الوسائل السلمية الأخرى لتسوية المنازعات الدولية، وتستخدم المفاوضات بنجاح كبير لأجل تخفيف حدة التوتر أو الصراع بين الأطراف المختلفة، واللجوء إلى المفاوضات يمكن أن يفضى إلى النتائج المزدوجة التالية:

  1. الحل المباشر للخلاف.
  2. تحقيق اتفاق بشأن اللجوء إلى أية وسيلة سلمية أخرى لتسوية النزاع.

ولكى تكون المفاوضات حيوية وفعالة؛ يجب أن تُجرى بحُسن النيَّة من قِبل الأطراف ولأجل تحقيق اتفاق بشأن المسألة المستعصية والمتنازع عليها، وهذا يفترض وجود الثقة المتبادلة بين الأطراف والأخذ فى الحسبان لمصالح بعضها البعض، وأن تُجرى المفاوضات على أساس المساواة والتكافؤ بين الأطراف. ولأجل إنجاح المفاوضات يجب اختيار الوقت المناسب لإجرائها، فاللحظة التي خلالها يمكن تخفيف حدة العلاقات المتوترة بين أطراف النزاع هي أكثر لحظة مناسبة لإجراء المفاوضات.

وفيما يتعلق بالتفاوض فقد لاحظت المحكمة الدائمة للعدل الدولي أنه – خلافاً لوسائل التسويات الأخرى – فإن المفاوضات التي تؤدى إلى "التسوية المباشرة والودية للمنازعات بين الأطراف" تعتبر مقبولة عالمياً، وحتى لو لم تؤدِ المفاوضات إلى حل ودى؛ سيبقى لها الفضل فى حصر النزاع وإثارة مختلف النقاط العالقة أو وضع النقاط على الحروف بالنسبة للخلاف القائم بين الطرفين. وفى حال عدم التوصل إلى حل حول جوهر الموضوع؛ فيمكن للمفاوضات أن تعالج الأمور الإجرائية لتحديد النقاط الواقعية القانونية التي يجب حسمها والطريقة الأكثر تناسباً للظروف والمعطيات.

والتفاوض أسلوب معقد من أساليب التسوية السلمية، فهو ليس أسلوباً بسيطاً أو واضحاً فى آلياته وأشكاله، مع ذلك، فإن المدى الذى تصل إليه تعقيداته يتوقف على طبيعة القضايا محل النزاع، وطبيعة العلاقة بين الطرفين المتنازعين، ومدى توافر خيارات أخرى لدى كل منهما لحل النزاع، إضافة إلى الظروف الإقليمية والدولية المحيطة بطرفي المشكلة، وهى الظروف التي تدفع نحو ضرورة اتباع أسلوب التفاوض أو غيره لحل النزاع.

وهناك عدة تعريفات للمفاوضات: فهي مشاورات ومباحثات تجرى بين دولتين أو أكثر، بقصد تسوية خلاف أو نزاع قائم بينهما، بطريقة ودية ومباشرة ، كما تًعرف بأنها تبادل الرأي بين دولتين بقصد الوصول إلى تسوية للنزاع القائم بينهما، ويكون تبادل الآراء شفاهه أو فى مذكرات مكتوبة أو بالطريقتين معاً ، كما يُقصد بها الاتصال المباشر بين دولتين أو الدول المتنازعة وتبادل الآراء بقصد الوصول إلى تسوية للنزاع القائم بينهما ، كما أنها تعنى اللقاء المباشر للأطراف بهدف الوصول إلى اتفاق مشترك مقبول من قِبل الجميع.

وأخيراً، يرى البعض أن التفاوض هو عملية اجتماعية ونفسية ومنطقية تعتمد على التفاعل والتأثير النفسي والإقناع والحث من خلال الحوار وتبادل وجهات النظر الهادفة بين طرفين أو أكثر، لديها تباين فى الآراء والأهداف التي يسعى كل منهما لتحقيقها، وتتعلق بقضية أو نزاع أو صفقة أو مسألة معينة ترتبط مصالحهم بها، وذلك بغرض التوصل إلى حل أو اتفاق مقبول لجميع الأطراف ، فالمفاوضات عملية شاملة تتضمن ما هو أكثر من مجرد جلوس طرفين على مائدة فى قاعة.

والتفاوض ليس مجرد إجراء شكلي يتم اللجوء إليه، وإنما لا بُد من توافر النيَّة نحو التوصل إلى اتفاق بشأن النزاع ذاته، بما يحتم على الأطراف المعنية أن تتصرف بطريقة تجعل للتفاوض معنى وغاية، ويتطلب ذلك قدراً من المرونة من جانب الأطراف المعنية، وهو ما يقتضى أيضاً أن يراعى كل منهم حقوق الآخر. فإذا توافرت هذه النيَّة كان للتفاوض معنى حتى ولو لم يتفق الأطراف فى النهاية. فالتفاوض إن كان يتطلب السعي نحو الوصول إلى حل للنزاع، فإنه لا يعنى بالضرورة الاتفاق حتماً على ذلك. فقد توجد ظروف تحتم بقاء كل طرف على موقفه، إذا وجد – مثلاً – أن المفاوضات لا تعطيه حقه كاملاً أو أنها تهضم جزءاً كبيراً منه، فالالتزام بالتفاوض هو التزام بالقيام بعمل وليس التزاماً بالوصول إلى نتيجة حتمياً، فهو لا يعنى ضرورة الاتفاق بأي ثمن وتحت أي شكل من الأشكال.

جَليٌ أن المفاوضات الجارية في جدة بين الطرفين المتحاربين في السودان ، والتي ترعاها المملكة العربية السعودية تهدف خفض مستوى الصراع ، نتيجة لوجود عقبات وصعوبات تحول دون الوصول إلى حل نهائي للنزاع القائم بينهما، ولعامل الزمن هنا دور كبير، حيث أنه يساهم فى تهدئة الخصوم، والوصول إلى نهاية الأمر إلى حل يُرضى كافة الأطراف.

والمفاوضات أحياناً تتم بصورة مباشرة بين أطراف النزاع سواء فى إطار ثنائي أو متعدد الأطراف أو فى إطار مؤتمر دولي أو منظمة دولية بطريقة مباشرة من خلال وساطة طرف ثالث، سواء أكان شخصية ذات نفوذ واعتبار لدى أطراف النزاع، أم دولة، أم منظمة دولية، خاصة فى حالة عدم وجود اعتراف متبادل بين أطراف النزاع أو قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما نتيجة تحول النزاع القائم بينهما إلى نزاع مسلح، بهدف تقريب وجهات نظرهم تمهيداً لمفاوضات مباشرة يشترك فيها الطرف الثالث أو تتم تحت رعايته.

ولكن على جانب آخر، يمكن تقسيم أطراف التفاوض إلى: أطراف مباشرة وهى الأطراف التي تجلس فعلاً على مائدة المفاوضات وتباشر عملية التفاوض، وأطراف غير مباشرة وهى الأطراف التي تشكل قوى ضاغطة لاعتبارات المصلحة أو التي لها علاقة قريبة أو بعيدة بعملية التفاوض ، وفي الحالة السودانية اتبع طرفا النزاع المسلح ذات النهج الذي تبناه الدولتان المتحاربتان لبنان و إسرائيل قبل توقيعهما اتفاقية تعيين الحدود البحرية بينهما برعاية الأمم المتحدة و الولايات المتحدة الأمريكية ، فلم يجلس الطرفان السودانيان وجها لوجه أثناء المفاوضات التي رعتها المملكة العربية السعودية .

ختاما ، بالرغم من إيجابية عامل الوقت في تخفيف حدة النزاع المسلح الداخلي في السودان فضلا عن الدول الفاعل للدبلوماسية السعودية في ابرام الاتفاق الخاص الإنساني بين الطرفين المتحاربين لأول مرة ، لكن ستكون المفاوضات المباشرة بين الطرفين في جدة أو غيرها من عواصم ، هي السبيل الأسرع والأصح و الأكمل من أجل إبرام اتفاق وقف اطلاق النار المستدام في السودان .

.