الكاتب مختار عيسى يكتب: تدوير النفايات الوزارية واستنساخ العطن!!


لن تحيا مصر بهؤلاء بل الخطر كل الخطر في وجودهم
..............................
ولأن النفوس جبلت على الاختلاف ، وطبعت على المغايرة ، تصيبني كثيرا نوبات الملل من تكريرات الاصطلاحات والعناوين المتصدرة شاشات الأزمات المتتالية؛ فيكون اللجوء الكرهي إلى التشرنق الذاتي ؛ فرارا من عاديات ومألوفيات تصيب النفس بغثيانات التكرير والإملال المتعمد ، من الصحف والتلفازات وتصاريح المسؤولين المصابين بالعته الفكري، و البله الإعلامي والتخلف الرؤيوي ، خصوصا عندما تلح أزمة بوضوحاتها التي لاتخفى على الأرمد ، ومن ثم تجد نفسك وقد استجرت بشرنقتك ، هربا من الأوجه الكالحة ، والتصريحات الأكلح ، وبائعي الوهم المعلب في سوليفانات الإعلام الرسمي حسب المصالح التي يقال إنها عليا ، أو حسب التمصلحات الخاصة في إعلام الشلة والأصحاب والجماعة .
يكون الهرب الذاتي من مطالعة المشهد العام فرصة للنفس المحاصرة بالاستنساخيين من وزراء و مسؤولين كبار إلى التعامي والتخارس والتصامم ؛ فقد أصيبت النفس باعتلال الحواس من كثرة ما اعتادت مثيراتها ،ومن هنا يكون غيابي شخصيا عن الكتابة والمتابعة حينا ،حتى لاأكون واحدا من قبيلة بني مستنسخ التي تفرعت أفخاذها وبطونها في مناحي المحروسة .
أزمات كثيرة عصفت وتعصف بالجسد العام ،وكادت وتكاد تلقي به إلى هاوية اللاقرار ، ومع ذلك لايجد السادة المستوزرون ( بفتح الراء وكسرها ) إلا صندوق النفايات ، فيخرجون منه ما زكمت روائحه أنوف الدولة ردحا طويلا من الزمن حتى فقدت حاسة شمها أو كادت ، ويكررون المحفوظ الممنهج حسب إرشادات كتاب عتيق تهرأت صفحاته من كثرة ما تناوبته الأيدي مئات السنين ، فلا تجد جديدا لحل مشكلة ، ولاتعثر على جملة واحدة خارج تراث الآباء والأجداد من وزراء ورؤساء هيئات ، والنتيجة هي استنساخ الفشل في مواجهة الأزمة التي اعتدنا ـ كمصريين ـ أن نتعامل معها بسخونة وقتية لتبدياتها في المشهد ثم سرعان ما تبترد أمام سخونات أزمة مغايرة لنظل دائما على صفيح ملتهب نتقلب من على جمر إلى آخر ،ولايملك المستوزرون إلا العزف على الوتر القديم ذاته ، وإلا استنساخ التصريح السابق عن الأسبق ، وأننا ـ بمشيئة الخالق وبإصرار المسؤولين سنجتاز عنق الزجاجة ، لنكتشف في كل مرة استطالة هذا العنق الذي لا نملك فرصل للخروج منه ، وربما نكتشف أن الزجاجة كلها أصبحت في ضيق هذا العنق أو هي صارت عنقا ، مادام السادة المسؤولون على استنساخهم واستدعاتهم الموروث التصريحي في كل أزمة .
الكارثة الكبرى في أننا رغم إدراكنا التام لهؤلاء النساخ ومستنسخاتهم ، نصر على استدعائهم من مخازن الدولة ، وإلا فما مبررات استدعاء نفر غير قليل من وزراء ساهموا في التخريب الواضح للدولة ومؤسساتها في عهود سوابق، لنسند إليهم أخطر الملفات في العهد الجديد ،فيحولونه نسخة مكرورة مما سيق وثار الناس عليه ، وأكدوا انزعاجهم من مجرد إطلالته على العهد الجديد ولو من ثقب إبرة؛ فمابالنا ونحن نفتح الأبواب والنوافذ لمسؤولي العهود الغوابر لتعيد إنتاج الفشل وتأخذ بأحلام الناس في التغيير إلى فشل محقق ؟
غريب أمر هذه البلاد التي فشلت في تدوير المخلفات والقمامات وفيها مافيها مما يمكن الإفادة منه وإعادة استغلاله ، تصر على إعادة تدوير النفايات الوزارية ، فتقدم للمجتمع مرة أخرى ، وفي كل تغيير وزاري أسوأ ما أفرزته الأنظمة السابقة من نفايات !
أولى خطوات الإصلاح أن النفايات الوزارية لايجب أن يعاد تدويرها وتقديمها معلبة للمستهلك الجديد ، فروائحها تستعصي على كل أجهزة وشركات التعليب ، وتفضح وجودها حتى في أعطر مشاهد التغيير التي حلمنا بروائحها في مشهد ما بعد يونيو