الثلاثاء 19 مارس 2024 01:14 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

الكاتب الصحفي ياسر حمدي يكتب: أستاذ إبراهيم مدير المدرسة

النهار نيوز

لو صلح حال كل مسؤول في منصبه، وأصبح الضمير هو المسيطر على كل عامل وموظف في هذه الدولة، وراعى كل ذي منصب مصلحة الجمهور المتردد عليه كما يراعي مصالحه الشخصية، وعلم أن مكانه يحتم عليه تسخير كل ما في وسعه من أجل خدمة المواطنين، لصارت مصر في مصافي الدول الكبرى المتقدمة اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، لكن للأسف هنا نجد النقيضين معاً، وهذه معضلة كبيرة جدًا، لأن معدومي الضمير كثر، وهم سبب ما نحن فيه الآن.

والحقيقة المؤكدة أن هناك بعض المسؤولين ذو الضمير اليقظ، ينحتون في الصخر، ويجتهدون ويجدون عرقًا من أجل مصلحة الوطن والمواطن، وأينما وجدوا يتحول المكان بإدارتهم الحكيمة وإخلاصهم الشديد وتفانيهم في عملهم إلى نموذج مشرف، ومكان يحتذى به في تقديم أفضل الخدمات للمواطنين بسهولة ويسر، ودائمًا ما تجدهم ناجحين محبوبين متقدمين عن غيرهم في أي موقع أو منصب يشغلونه، لكنهم للأسف قلة بسيطة جدًا في مجتمعنا.

في صباح كل يوم بمر من أمام مدرسة الشهيد النقيب إبراهيم جورج أثناء ذهابي للجرنال، نظرًا لموقعها المطل على إحدى الطرق السريعة مباشرةً، ودائمًا ما كنت أتساءل عن أسباب إنشائها في هذا المكان المحيط بالمخاطر على التلاميذ وكل المترددين على هذه المدرسة؟، خصوصًا وأنها للتعليم الأساسي، أي أن الأبناء صغار لا يدركون خطورة الطريق.

المدرسة ليس لها نوافذ سوى بوابتان يطلان على الطريق مباشرة، وهذا يزيد من شدة الخوف والقلق على الصبية الصغار، وزاد الطين بله عندما قامت الدولة مشكورة بإعادة تأهيل ورصف هذا الطريق من عدة أشهر، وأصبحت كفاءته أعلى فأصبح أخطر بكثير عن الأول.

المؤسف أن الشركة المنفذة لرفع الكفاءة وإعادة الرصف لم تقم بإنشاء «مطبات صناعية» على الطريق لتقليل حدة السرعة، وقامت بتسليم الطريق لهيئة الطرق وانتهى الأمر عند هذا الحد، فشعرت بمسؤوليتي وواجبي تجاه الموقف، وأسرعت في عمل اللازم، وقمت بمناشدة العديد من السادة المسؤولين والجهات الحكومية المعنية، بالتعاون مع بعض السادة النواب المحترمين عن هذه المنطقة، واستطعنا سويًا الحصول على الموافقة النهائية لإقامة العديد من المطبات القانونية قبل وبعد المدرسة.

للعلم هذه المدرسة تبعد عن مكان إقامتي بعدة كيلومترات، وليس لي علاقة بالقائمين على إدارتها ولا أعلم من هم، ولم تربطني أي علاقة أو صلة بأحد من سكان هذه المنطقة سوى الإنسانية والضمير والواجب المهني والخوف على ارواح أولادنا المترددين عليها، خصوصًا مع كثرة الحوادث المروعة على طريق الموت، وعلمت من صديقي حسن عمر حسانين عضو مجلس النواب عن هذه المنطقة أن أحد التلاميذ راح ضحية حادث أمام هذه المدرسة في العام الماضي، والسبب حادث مروري بشع أمام بوابات الموت بالمدرسة.

كان يراودني عدة أسئلة في كل صباح عندما أرى مكان هذه المدرسة الخاطئ، كان أهمها: لماذا لم تقم هيئة الأبنية التعليمية بإنشائها وسط الكتلة السكانية بعيدًا عن طريق الموت؟، وهل السادة المسؤولين بوزارة التربية والتعليم والسادة وكلاء الوزارة شاهدوا مكان هذه المدرسة على الطبيعة منذ تشييدها؟، ولماذا وافقوا على بنائها في البداية بهذا المكان؟، وهل السيد المحافظ والسادة المسؤولين الذين حضروا مراسم افتتاحها لم تنتابهم لحظة شعور بالخوف والقلق والخطر على أبنائنا والمترددين عليها؟!.

لكن السؤال الأهم بالنسبة لي والذي كان يؤرق فكري ويشغل بالي طول الوقت هو: لماذا لم تقم هيئة الأبنية التعليمية أو أي مسؤول أخر بإنشاء طريق خلفي موازي لطريق الموت هذا وفتح بوابة أو أكثر به لتقليل حدة المخاطر المحيطة بكل المترددين عليها؟، وهل فكر في ذلك أحد من قبل؟ أما أنا فقط صاحب هذه الفكرة؟.

هاتفت صديقي العزيز النائب حسن عمر وأخبرته بفكرتي ظنًا مني أنه لا أحد فكر فيها من قبل، واتفقنا سويًا على كيفية تحقيقها، وتحملنا مسؤولية تنفيذها لخدمة أبنائنا الطلاب وتقليل المخاطر التي تهدد جميع المترددين على المدرسة، وكانت الفكرة تزداد حماسة يومًا تلوا الأخر، لكن للأسف قلت الحماسة منذ عدة أسابيع قليلة بعد ما قام المسؤولين بإنشاء ما تم الإتفاق عليه من «مطبات صناعية»، ظنًا مني أنه بذلك قد زال الخطر.

وكانت المفاجأة السارة أن هناك من كان يفكر ويسعى بكل ما أوتي من قوة على تحقيق وتنفيذ ما كنت أظن أنها فكرتي الخاصة، وعلمت فيما بعد أنه منذ تولية مسؤولية مدير المدرسة وهو يجاهد بكل طاقته من أجل إنشاء بوابة على الجانب الأخر للمدرسة وغلق هاتين البوابتين خوفًا منه على الجميع من مخاطر هذا الطريق السريع.

الأحد الماضي وكعادة كل يوم وأثناء مروري من أمام المدرسة فوجئت بغلق البوابات المطلة على طريق الموت مع وجود عدد من التلاميذ داخل فناء المدرسة، مع العلم أن هذا اليوم كان بداية العام الدراسي، والسيد مدير المدرسة يقوم بالترحيب الشديد بالطلبة والطالبات الجدد مع بداية العام الدارسي، متحدثًا في مكبر الصوت، فغمرني الفضول بالتحدث معه عن كيفية تنفيذ فكرتي.

الأستاذ إبراهيم فريد أتضح لي فيما بعد أنه «المسؤول ذو الضمير» الذي دائمًا ما يفكر خارج الصندوق، أكتشفت أنه عمل بمجهود جبار وفكر واعي وإصرار شديد على غلق البوابات المطلة على طريق الموت للأبد، علمت بذلك عندما طلبت الدخول للمدرسة فأخبرني العامل بأن الدخول من الباب الخلفي الجديد، وأن هذه الأبواب مغلقة ولن تفتح فيما بعد على الإطلاق، غمرتني فرحة عارمة وسعادة بالغة بما سمعت جعلتني اهرول مسرعًا للخلف لمعرفة من السبب في تحقيق فكرتي ومنع خطر مؤكد عن التلاميذ وغيرهم.

دخلت المدرسة من باب الأمان وأنا في غاية السرور، وقابلت السيد المحترم مدير المدرسة، الذي رحب بوجودي بشدة، وأخبرني هو وعدد من السادة المدرسين بأنه عمل على ذلك منذ اللحظة الأولى لدخوله المدرسة، وأنه أنشأ هذه البوابة من نفقته الخاصة بالتعاون مع عدد من المدرسين حرصًا منه على سلامة وأمان الجميع، وأنه دائم السعي على تذليل العقبات أمام المواطنين والطلبة والمدرسين حال وجود أي صعوبات، بفكر وإدارة واعية.

مدير المدرسة الأستاذ إبراهيم فريد وغيره قليلين داخل هذه المنظمومة الهامة، التي هي أساس مستقبل هذه الدولة العظيمة؛ يكافحون بأقصى جهد وعرق؛ في إطار الإمكانيات المحدودة والبسيطة المتاحة لهم، وينحتون في الصخر بفكر غير تقليدي من أجل نجاح الأماكن التي يتحملون مسؤولية إدارتها بقدر المستطاع.

هذا المعلم الفاضل ذو الضمير الحي أخبرني بأن قطعة الأرض المجاورة للمدرسة والتي تم فتح باب الأمان المطل عليها قد ناشد السادة مسؤولي الوزارة ومديرية التربية والتعليم التابعة لها المدرسة لإنشاء مجمع مدارس عليها، نظرًا للكثافة الماهولة داخل الفصول، وجاهد من أجل ذلك وحارب بإستماته خلال الأسابيع الماضية، حتى وافقت هيئة الأبنية التعليمية على مقترحه وأدرجتها ضمن الخطة الآنية.

حالة مدير مدرسة الشهيد النقيب إبراهيم جورج يحتذى بها، ومثال ناجح لمسؤول عايز يبني البلد بجهد وكفاح وعرق، وتؤكد أن هناك أمل كبير وتفاؤل في بناء الجمهورية الجديدة التي أرسى قواعدها الرئيس السيسي، ويسعى جاهدًا لإستكمالها بالتصور والأهداف التي حددها، كي تصبح مصر أم الدنيا وقد الدنيا بالمعنى الحقيقي، والسؤال: هل سنجد أمثال عدة للمسؤول ذو الضمير أمثال الأستاذ إبراهيم فريد؟ وخصوصًا في مجالي الصحة والتعليم!.

الكاتب الصحفي ياسر حمدي ياسر حمدي المسؤول ذو الضمير الأستاذ إبراهيم فريد مدرسة الشهيد النقيب إيهاب جورج هيئة الأبنية التعليمية وزارة التربية والتعليم العام الدراسي الجديد