الخميس 25 أبريل 2024 05:11 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

د. نبيل بوغنطوس يكتب: انتخابات الرئاسة في لبنان...واللعب في الشارع المسيحي

النهار نيوز

بات واضحا، ان انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، بات بحكم المعلق، او المؤجل، وقد يصل اذا ما تدحرجت الامور نحو الاسوأ، الى حكم الملغى، بحيث يكون الرئيس العماد ميشال عون، ليس فقط الرئيس الاخير في الجمهورية الثانية او الثالثة كما يحلو للبعض تسميتها، انما الرئيس المسيحي الاخير للبنان، وذلك بجهود مسيحية صرف هذه المرة. فهم من اوصلوا البلاد الى هذا الدرك، ووصلوا بها الى ما بعد بعد جهنم نزولا، ولا امل بقيامة جديدة على المدى المنظور.

في لبنان الجمر تحت الرماد، ورب سائل، من اي نوع هي هذه الجمرات، وليس من الصعب الاجابة، جمرات ملتهبة، ستلهب البحر واليبس والفضاء، ومن كل الاتجاهات. جمرات حارقة وخارقة لكل المناطق، لكل الطوائف، لكل المذاهب، ولكل الاحزاب، وكل انفجار سيليه ارتدادات غير مسبوقة، واللبنانيون وقود اللعبة، باللحم والدم.

نسأل ولا من مجيب، كيف السبيل الى تفادي الايام السوداء القادمة، كيف السبيل الى تغيير مسار العاصفة المقبلة علينا، وجعلها تتلاشى في الفضاء او البحر او السهل الاجرد?

خطابات نارية لكل الافرقاء اللبنانيين، قبل شهر ونصف من انتخابات الرئاسة الاولى، كل يريد املاء شروطه على الاخرين، والكل ينظر للاخر في لبنان، نظرة دونية، الكل يرى في الاخر، مواطن درجة ثانية او ثالثة. الكل يقول في العلن وفي السر، "الامر لي"، لا بل يتمنى ان يجاهر على الملأ، بالقول " نفذ الامر، انتهت اللعبة. الوطن بشرا وحجرا بامرتي".

انى تطلعت، أإلى الفريق القابض على الحكم، تحت مسميات كثيرة، ابرزها الممانعة، او الى الفريق المعارض تحت مسميات السيادة والتحرر والتغيير، ترى انقسامات بالطول والعرض، في داخل كل فريق، كل يريد سحب الغطاء عن الاخر، ففي الشارع المسيحي، اقوى فريقين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، يمزقهما التنافس والكره والبغض والشماتة وذكريات حروب الالغاء والصراع على السلطة، ولا مجال لاعادة لحمة بينهما الى يوم الدين، رغم مسرحية "اوعى خيك، وما تنسى امك وبيك". ويبدو ان القادم من المواجهات، بينهما سيكون اعتى مما مر، من دون ان ننسى، ان كلا من الفريقين، يحتضن مجموعات مسيحية صغيرة مناطقية ومحلية، تدور في فلكه والاصح تعيش تحت حمايته وتحت وصايته وتأتمر بتوجيهاته.

من جهته الثنائي الشيعي، حركة امل وحزب الله، فهو ليس في احسن حالاته، لكن طالما ان التنسيق قائم بين المشغلين الايراني والسوري، فلا مجال للانقصال والفرقة، وما هو مطلوب منهما، سينفذ بحذافيره.

منذ الثمانينات وحتى اليوم، الشيعة اللبنانيون، طاعة والتزام اعمى لمشغليهما، رغم مرور فترات عصيبة، سفكت خلالها الدماء بين فريقي الثنائي، كما سجلت عمليات تصفيات في داخل كل فريق، الى ان صدر الوحي، وارتدا عن بعضهما، وحميا الواحد ظهر الاخر، عن اقتناع او عن غير اقتناع، لكنهما باتا الكاسبين الاكبرين على الساحة اللبنانية...ومستمران.

وان نظرنا الى اهل السنة، انقسام وضياع وفراغ في القيادة بعد انهيار وتلاشي دور تيار المستقبل، والسنة قد يشكلون الفريق الاكبر في لبنان، لكنهم منقسمون على ذاتهم، فبعضهم بات يدور في فلك الممانعين ويأتمر بتوجيهاتهم، وبعضهم الاخر، يعتبر نفسه سياديا لكنه لا يرغب بمواجهة الاخصام والاعداء في الداخل، ويفضل ربط النزاعات معهم الى ساعة غير معلومة. والنتيجة فقدان الدور، وضياع البوصلة.

اما الدروز، فتكفي نظرة واحدة على نتائج الانتخابات النيابية، وثبوت الزعامة الجنبلاطية، ليدرك المرء، اين هو مربط خيلهم، وليدرك اين هي القيادة ولمن هي الامرة. وبذلك قد يكونون الفريق اللبناني الاوحد، الذي ورغم وجود تيارات صغيرة في الجبل والساحل، فهي في الحقيقة، ليست سوى بيوتات لزعامات "اهلية بمحلية" كما يقال بالعامية على الطريقة اللبنانية.

هذه هي خريطة مبسطة للاحزاب القابضة على السلطة، والتي يقابلها معارضات مشتتة، وهيئات من المجتمع المدني غير متوافقة على خطة طريق واحدة للتغيير، كما هي حال الجماعات المدعومة من السفارات الغربية والخليجية، ومن المنظمات غير الحكومية الخ...وان ننسى لن ننسى، الشخصيات المستقلة، والتى لها ايضا، حيثياتها على الارض وبين الناس، ومن كل الطوائف والمذاهب والمناطق. فهنا يقتصر العمل فقط، على اسداء النصائح واعطاء الملاحظات واعلان التوصيات والكشف عن التمنيات، من دون ان يتغير شئ على الارض في خارطة التحالفات والانقسامات والتجاذبات.

انتخابات رئاسة الجمهورية على الابواب، ولا من يستهاب الموقف، والكل يعمل ويحضر للتعطيل، خصوصا اذا ادرك ان القادم على حصان ابيض الى قصر بعبدا، لن يكون تحت وصايته، ولكأنه كتب على رؤسائنا، ان يخضعوا لسلطة وصي، له الدور الابرز في ايصالهم الى الكرسي، ومن ثم ادارة امور البلاد والعباد. وما تجربة السنوات الست الاخيرة، الا دليل واضح، كيف كان الوصي، يدير اللعبة من خلف الحجاب، وكيف كانت الرئاسة، لا بل قل، كل مؤسسات الدولة مطواعة رهن البنان.

ما تغيير اليوم، هناك اصوات بدأت تعلو وتجاهر علنا بوجوب التغيير، وتلمح للمرة الاولى، ان هذا التغيير يجب ان يحصل ولو بالقوة، وهنا الطامة الكبرى، حيث يظهر الانقسام في النسيج الوطني اللبناني جليا وبشكل فاقع.

ففي بيروت، يسمع كلام واضح من ممانعين، حول وجوب منع وصول أيّ مرشّح ينتمي إلى محوّر الممانعة، وهذا الموضوع أصبح راسخاً لدى شريحة كبيرة من نواب "المعارضة"، في دعم غير مباشر لما كان يسمى بفريق الرابع عشر من آذار.. وفي مقدّمتهم النواب المسيحيون، في دلالة أمست واضحة على رفض أيّ تسويّة سيقودها او سيطلبها او سيحاول فرضها محور الممانعة و"حزب الله"، ولو اقتضى الامر تعطيل جلسات إنتخاب الرئيس، حتى يخلق الله ما لا تعلمون.

في نفس الاطار، نختم بان ما يثير القلق اكثر، هو كل ما يصدر على لسان الفريقين المسيحيين الاقوى، مع ما تمرره مصادر القصر الجمهوري في بعبدا، وما يروج له عن "تصعيد" في الشارع قد يواكب انتهاء الولاية الرئاسية. الحديث عن "مجهول" يمكن أن تكون البلاد ذاهبة إليه وهو التخوف من "صدامات طائفية ومذهبية"، وتحديدًا "مسيحية-مسيحية"، تلوح بها العديد من الأوساط كما اشرنا.

لماذا مسيحية-مسيحية?

في التيار الوطني الحر ثمة من يلوح بلعبة شارع مسيحية-مسيحية، إما "دعمًا" للرئيس ميشال عون، أو حتى لمطالبته بالبقاء في بعبدا، وفي المقابل، يحذر الخصوم ملوحين بتصعيد "مضاد" من أجل إخراج الرئيس من القصر، ولو "بالقوة"، وتحت ضغط الشارع، تطبيقًا للدستور. والمخيف هنا، ان مشجعي التصادم، في حال وقوع الفراغ، يقدمون "الوصفة الفضلى" للفوضى والخراب وربما ما هو أبعد من ذلك.

نختم، "لعبة الشارع" لن تكون لمصلحة أيّ فريق على حساب آخر، فمتى وقع الانفجار، لن يوفر احد من تداعياته، ولن يكون احد بمنئ عن ارتداداته. وسيكون لبنان قد دخل، مجددا في اتون حروب ومعارك، قد لا تعرف لها نهاية، الا بنهايته، كدولة قائمة، حرة وذات سيادة.