الثلاثاء 19 أغسطس 2025 05:43 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

أدب وثقافة

محمد الراشدي يكتب: القمر يبحث عن وظيفة

الكاتب محمد الراشدي
الكاتب محمد الراشدي

حين قرر القمر أن يغادر السماء جهة الأرض للاستجمام؛ اختار أن يبدأ رحلته هلالًا، وأسر إلى عشيقته من النجوم أنه سيعود في المحاق، وأن عليها أن تبرق مكانه بأقصى طاقتها حتى لا يلحظ غيابه أحد.. تاه بعد ذلك أيامًا في الأفلاك والمجرات حتى حط على الأرض ذات مساء، وصادف أن كانت الارض تفور دمًا وتحتدم فيها حرب مروعة، تكدست فيها الجثث والأشلاء ملء الشوارع والدروب.. خاف القمر، واجتهد في التخفي، وكان كلما توارى وراء شيء في العتمة ينمُّ عنه ضوؤه، ويفصح عن مكانه؛ فيقصفه المتحاربون الذين يستهدفون كل مصدر ضوء في المدينة المطفأة.. وفي لهاثه كان القمر يتعثر بالجثث ويتزحلق في الأشلاء ويتبقع جسده بدماء الموتى حتى تبدل لونه الأصفر الذهبي إلى الأحمر؛ فاختار لحظتها العودة إلى السماء، لكن السماء أنكرته وأوصدت دونه أبوابها، رغم أنه في رحلة معراجه حرص أن يتقلب في الغيمات التي صادفها في طريقه ليغسل الدم والأشلاء عن جسده لكنه أخفق تماما؛ فتجهمته السماء، واعتزم النكوص إلى الأرض من جديد للعمل في أية مهنة ريثما يعثر على حل.
وعلى الأرض تنكّر القمر في هيئات شتى لئلا يعتقل بتهمة الهجرة غير الشرعية، وتقدم للعمل في مهن مختلفة كان آخرها أنه عرض على شركة الكهرباء أن يعمل مصباحًا في عمود إنارة، لكن الشركة رفضت توظيفه لأنه معقوف القامة ونحيل، وحز في نفسه أن أحد مسؤولي التوظيف سخر من شكله المقوس، واقترح عليه أن يعمل قشرة موز، أو شعارًا لجماعة متطرفة!
والشخص الوحيد الذي رقّ للقمر، ورضي مساعدته وتوظيفه مقابل أجر شهري زهيد؛ كان سائق سيارة إسعاف عجوز، راقه أن يزين مظهر سيارته المهترئه بالهلال الغارق في لون الدم، وتحمل الهلال وجع المسامير التي اخترقت جسده وصاحب السيارة يثبته في وظيفته الجديدة، علامة تحذيرية، في واجهة سيارة إسعاف، عُرفت لاحقًا بالهلال الأحمر!

القمر