الكاتبة الصحفية الهام شرشر في رثاء شقيقها اللواء طيار كمال الدين رؤوف
سيرة يكتب عنها ويتعلم منها.. مرابط علي الثغور


لأول مرة أخون قلمى لا استطيع الإمساك به رغم سعيه إلى كعادته
للمرة الأولى أشعر أنه ذلك السلاح الذى سينفذ إلى قلبى أنا لا إلى الباطل الذى أعتاد أن يكون موجها إليه
أرجو أن يطاوعنى وأنا أسجل رثائى فى أخى الكبير
إنا لله وإنا إليه راجعون..
أردد قول حبيبى المصطفى "صلى الله عليه وسلم": "إن القلب ليحزن.. وإن العين لتدمع.. ولا نقول ما يغضب ربنا.. ولكنا لفراقك أخى الحبيب الغالى لمحزونون".
آمنت بالله العظيم، واستمسكت بالعروة الوثقى، ورضيت بقضاء الله وقدره، وأعلم أن لكل أجل كتاب، وإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون..
وصدق جبريل عليه السلام حين بلغ نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم قائلًا: "يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه،…".
وصدق رب العزة حين قال: "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ".
وها أنا أحمد الله سبحانه وتعالى أنه ترك مساحة للبشر الضعيف العاجز أن يحزن حين ترك له مساحة من التعبير عن حزنه بالتواصل مع المتوفى.. حين يفرج عن نفسه، وفى الوقت نفسه ينفع المتوفى..
إنه أخى الكبير، وأبى العزيز، السند العظيم لى، ولكل أخوتى، ولكل الناس برحابة صدره، وسعة أفقه…
إنه أخى الكبير الذى استقللت معه سيارة الموتى وحدى.. حين توجهنا إلى مثواه الأخير، حيث استكملت عددًا ومددًا كبيرًا من "سورة يس" التى وصانا بها رسولنا الكريم "صلى الله عليه وسلم" أنها خير العطايا للميت بعد الفاتحة والدعاء..
وحين أوشكنا الوصول.. همست له فى أذنه داخل الصندوق المفتوح.. حيث استمريت فى تلقينه بأنه سوف يأتى ملائكتنا الكرام يسألونك:
من ربك؟ قل ربى الله الذى لا إله إلا هو..
وما دينك؟ دينى.. دين الله.. الإسلام
وما نبيك؟ نبى محمد "صلى الله عليه وسلم"..
وعند سؤالهم عن عملك وعلمك؟!
قل لهم: حاربت أعداء الله.. أبناء صهيون.. كنت حاميًا للوطن ولتراب الوطن من قتلة الأنبياء.. المجادلين.. غلت أيديهم.. المتطاولين.. المتبجحين على الذات العلية..
قول لهم: حررنا أرض الله سيناء.. حررناها بدماء إخواننا الشهداء..
قول لهم: كانت أنشودتى فى الدنيا ليست على الجبهة فقط.. وقد علمتنا كيف ندافع عن الذات العلية؟!.. لقنتنا درسًا أبدًا لن ننساه.. حفرت بداخلنا حين كشفت الغطاء عن أعداء الله على الأرض.. درس فطمنا عليه ورضعناه.. بلا زيف أمام أنفسنا.. ودون تحايل على الله أو مكر مع الله!!..
وهنا خرجت عن صمتى.. وأنا معه وحدى داخل عربة الموتى الذى يحمل جثمانه.. بدأت أصرخ وأنا أستغيث.. أناجى الله.. أسترحمه.. وأتذلل إليه.. راجيةً أن يكون لى خاطر عند الله ولو قليل من القدر.. عساه يقبل توسلى إليه.. وأنا أستشهد بملائكته.. استشعرت بعد قشعريرة فى جسدى.. أنهم يحيطوننى عندها جثوت على ركبتى أمام الصندوق المفتوح.. وبأنفاس متقطعة بالبكاء.. وبأدب جم.. وبصوت مذبوح.. قلت له:
أخى الكبير.. أخى الحبيب..
هم يعلمون أنك كنت تتمنى الشهادة آنذاك، ولكن يشاء العزيز القدير أن تنالها بعد صراع مع المرض، ولكن بعد أن أتممت رسالتك للوطن الغالى، واطمأننت على حفظ كرامته وحريته.. خاصة بعد أن أخذت بثأر إخوانك منذ حرب الاستنزاف وحتى العبور الكبير فى حرب أكتوبر المجيدة، ثم التأمين لحدود الوطن الغالى حين كنت لا تغفل ولا تنام…
حين هجرت دنياك.. وخاصمت شبابك.. وتركت أهلك.. ملبيًا نداء الوطن الغالى بالليل والنهار.. بإيمان عظيم جعلك لا تهاب إلا الله.. جعلك صابرًا حامدًا.. لم تتفوه بكلمة آاااه، رغم المحن كل المحن التى صادفتها فى حياتك وآخرها محنة المرض حين لم تغادر عيناك سقف الغرفة.. مناجيًا الله عز وجل بمقلتيك.. تدعو - وأنا أبكى - مؤمنًا.. راضيًا.. محتسبًا لله سبحانه وتعالى..
بعد أن كنت كابوسًا مرعبًا لأعداء الوطن ووجهة مشرفة للوطن بأسره، فأنت ورفاقك وكل من هم على دربك عنوانًا لا يموت أبدًا.. مهما آواهم التراب.. أنتم أصحاب الوطن حين ساورتموه بالأمن والأمان.. والعزة والكرامة.. تلك الروح العظيمة التى غرستموها فى كل من حولكم داخل بيوتكم لتعم الآباء والأمهات.. والأخوة والأخوات والأبناء.. وأبناء جميع أفراد العائلات وكأنكم مثل حقن فى الوريد سارت بين دمائنا فامتزجت بها وشكلت أرواحنا.. من الوطنية المفرطة والشجاعة الأسطورية.. والإيثار منقطع النظير..
سأظل أفتخر بهذه الروح أنا وابنى وكل من حولك.. حتى نلقاك عند الحوض المورود مع رسول الله.. يسقيك بيديه الشريفتين شربة لا تظمأ بعدها أبدًا.. ذلك البلسم الذى سوف يُداوى جراحنا الغائرة.. وأوجاعنا الأليمة.. وكرارة حلوقنا العظيمة.. فى هذه الدنيا الدنية البغيضة.. بكل ما فيها من محن.. وأوجاع.. وآلام.. ودموع.. وفراق..
حكاية سوف أرويها عمرى وأرويها لذريتى من بعدى.. حكاية شرفاء وطن عشت معهم عن قرب والتصاق.. تركوا ساحة القتال حتى انتقلوا إلى جنة الرضوان.. لنقدم سيرتك الذاتية التى كانت قد سطرت على جبينك فى اللوح المحفوظ.. قبل أن تُخلق الدنيا..
حكاية.. صحيح أنها جزء من سردها تخفف جزءًا من آلامى.. إلا أنها بمثابة مخدر موضعى سريعًا ما يزول مفعوله.. مجرد أن أنهى تصفحها بين سطور نفس الموجعة.. لأنه بموتك تنطوى صفحة عظيمة من حياتى.. تجدد معها رحيل أمى وأبى.. حين كنت تسد غيابهما.. ليرتجف قلبى قبل جسدى..
نعم صفحة عظيمة من حياتى هى كل حياتى.. وأنا أودع معها مرحلة من حياتى أو سنوات عمرى.. ولكن أيضًا أودع معها صفحة من صفحات الوطن الغالى.. التى لا أستطيع أن أستوعبها حتى الآن.. كأنه حلم وانقضى..
كان وجوده يبدد كوابيس كثيرة فى الواقع.. يبدد أوجاعى ويمنحنى القوة.. لأنه كان رمز القوة.. والشهامة.. والمروءة.. والدفء.. والشجاعة المفرطة.. خاصة حين كان يتسرب إلى نفسى الضعيفة الخوف من فقد سائر إخوتى أو أحبتى..
كأنه كان صمام السبحة التى أخشى أن تنفرط حباتها.. رغم إيمانى العظيم بالله والحمد لله..
فأنا صريحة.. نفسى لا تعرف الكبر.. وإن كانت محصنة بالكبرياء والعزة بالله.. ودينه.. وإيمانى به.. وبقدره.. وتمسكى بسنة المصطفى الغالى صلوات الله عليه وسلامه..
حزنى عليه.. لأننى أشعر أنه جزء أصيل من الوطن.. ونحن جميعًا معه.. كل أسر المقاتلين جزء أصيل من الوطن..
هل عرفتم الآن لماذا أنا دائمًا أدافع عن حماة الوطن على الجبهة.. على النسور التى تحمى الثغور؟؟!!..
هل عرفتم الآن من أنا؟؟!!.. هل عرفتم الآن أن تحمسى لهم ليس من فراغ؟؟!!.. وأنها ليست مجرد كلمات صحفية!!.. أو معانى بلا مضمون!!.. ولكنه شيء يجرى فى دمى أقوى من وجودى.. إنه أقوى حب تنفسته بعد الله.. حب الوطن الذى تجسد فى عطاء الأخ الكبير.. الذى لمست فيه ماهية الوطن.. ولذة حبه والذود عنه الذى هو ركيزة الإيمان العظيم بالله.. حب يرتفع عن أى من الأزمات مهما عظمت!!..
هل عرفتم الآن لماذا أنا متمردة حزينة على الدنيا الفانية؟!.. دنيا الزوال والعدم!!.... رغم كل ما وهبنى الله فيها عز وجل والحمد لله.. إلا أننى كنت دائمًا معرضة عنها.. وشاكرة لأنعمه.. لأننى أعلم أن كله إلى زوال!!.. ففى كل مرة كان يذهب فيها أخى إلى القاعدة الجوية التى كان يترأسها.. كان يودعنا وهو سعيد.. فإن كان يذهب إلى مجهول إلا أنه كان يعرف أن خاتم المواجهة القادمة قريبة كانت أو بعيدة جميلة.. وهى رؤية وجه الله الكريم.. فهو كان يحب لقاء الله.. فمعه كلنا أحببنا لقاءه.. صغارًا.. وحتى نلقاه..
فأنا ها ذا والحمد لله منذ الرضاعة المتفردة.. لا أعمل إلا للقبر.. والصراط.. ويوم الحساب.. والحمد لله.. وكل من حولى من أسرتى الذين شاركونى إنشودة طاعة الله بحب الوطن..
لم يفتتن دينى ولم تخطفنى دنياى والحمد لله..
هل علمتم اليوم لماذا أنا حزينة متمردة على بعض صور أبنائنا من الشباب الذين غرهم بالله الغرور.. الذين انحرفوا وراء شهواتهم وملذات الدنيا.. متأثرين بتيار جديد غريب من الدراما والميديا.. الذى يهب علينا من الداخل والخارج ؟؟؟؟!!!!..
صورة مغايرة تماما لصورة الرجولة والعطاء والإيجابية والخشونة والجدية مع الأدب والأخلاق والعادات والتقاليد والعرف والأصول والواجبات الاجتماعية والإنسانية… داخل الأسرة وفى المدرسة والجامعة والنادى والشارع وبين الأروقة فى المستشفيات.. وحتى بين المرء ونفسه.. لذا حزنى عظيم.. لوجود أصالة الماضى فى أخى الكبير.. ورفاقه.. وتاريخه!!..
كانت تُحدث لى التوازن بين طوفان الغزو الإنسانى المضاد لكل ما تربينا عليه واستقر بين ضلوعنا وجنباتنا.. وسكن قلوبنا..
صورة شاهدناها فى الواقع وعشناها عن قرب.. ولكنها لن تتكرر ثانية!!.. حتى أثناء تحقيق حلم أخى الكبير فى العبور الكبير الآخر.. فى بناء الوطن ومواجهة التحديات الجديدة.. لم يفرح به ويقدره.. إلا أخى الكبير الذى جرب معنى الحرب ومعنى الدمار.. ومعنى الذل بعد انكسار.. وعود التراب بعد الحصار.. الذى لم يتوقف دمعه وحزنه أبدًا.. مع فراق كل رفيق له من رفقاء دربه.. ثم مع أى من أبنائه فى حرب الخيانة.. والخسة.. والغدر.. حين الاعتداء على أى من الأكمنة جيش كان أو شرطة.. فهما جناحا الوطن وحماته..
أبدًا لن أنسى دموعه التى انسابت على وجنتيه.. أثناء عند تناول طعام الغداء عند شقيقى الثانى.. وهو يتلقى استغاثات الاعتداء على كمين المرحوم البطل أحمد المنسى على وسائل التواصل الاجتماعى.. تلك الدموع التى قلما كنا نراها حتى فى أصعب الأزمات.. حتى فى فراق أمى!!..
حين أغلق الغرفة على نفسه.. ثم خرج منها نسرًا حاد النظرة.. متجمد الملامح.. صلبًا قويًا.. وكأنه يخرج للاستعداد لطلعة جوية.. وتولى مهمة جديدة.. ولكن بين إخوته داخل منزل العائلة..
هذه هى صورة الرجل فى عيناى.. فكيف أتقبل صور البعض اليوم؟؟؟؟!!!!!!
إنه أخى الكبير.. الذى أحب أن يكون مقاتلًا منذ نعومة أظافره.. حتى التحق بالكلية الجوية.. كنا نودعه فجرًا حتى يعود نسرًا محلقًا.. يرفرف حولنا فى كل مكان..
كلنا نودعه وهو يستقل سيارة الكلية رغم برودة الجو.. لنرى سيارة الكلية.. نفرح بالسيارة.. وبعدها نبحث عنه فى كل طيارة.. خاصةً فى 67.. وقد تغطى زجاج المنزل بالأوراق الزرقاء.. ننتظره داخل المنزل.. نجرى على والدتنا.. إنه أبيه كمال.. تبكى هى.. ونفرح نحن!!..
كنا لا ندرى ما الذى يدور بين الأرض و السماء ؟؟!!.. إلا أننا فرحين بأخى الذى يطير بالطائرة.. وفى المدرسة نتباهى أمام أصحابنا مع سماع أزير كل طائرة!!!..
نفتخر ونحكى عن أخينا المقاتل الذى تخرج من الكلية ليصبح طيارًَا على أصعب نوع من الطائرات.. على الطائرات "المقاتلات "..
كنا نردد هذه الكلمة ونحن لا نعرف معناها سوى أنه من أنجح الطيارين.. وأشجعهم.. وأكثرهم كفاءة.. حين كان يواجه العدو… بما يتمتع به من قدرة نفسية.. وجسدية.. وشخصية.. وذهنية.. وبدنية.. وسبحان من له الدوام.. "وإنا لله وإنا إليه راجعون "..
وفى لحظة خاطفة وقفت السيارة رأيت نفسى أمام القبر.. يحيطنى أحبابه وأقرباءه وأصدقاءه.. وبكل أسف فوجئت أننى لا استطيع الوقوف على قدمى.. عاصية أن تحملنى.. وكأنها قيدت فى الأرض إلى حد أن إخوتى أدركونى قبل أن أقع على الأرض وأنزلونى من السيارة وهم فى حالة ذهول وذبول.. مشهد عصيب فى يوم رهيب.. لم أكن اتصوره أن يأتى بهذه السرعة.. وكأننى أرى أمى تستقبله.. أمى التى جاءتنى منامًا قبل مرضه بأسبوع.. بنفس سيارة الإسعاف التى نقلت أخى إلى المستشفى فى الحقيقة .. فى نفس الحجرة التى ركد بها أخى.. ركدت أمى قبله فى المنام.. رفعت يدها لى ثم استلقت سريعًا.. لم أفهم منها شيئًا.. التففت حولى سمعت صوت إخوتى.. ولكنى لم أر إلا أخى الكبير.. لم اتذكر هذا الحلم إلى الآن.. كنت أحاول أن أهرب منه.. على الرغم من أنى فى حينه.. كنت أصرخ.. أخرج الصدقات.. أبكى.. لا استطيع أن أخبر أحدًا بهذا المنام الثقيل.. كنت لا أعرف أى من إخوتى.. وحين دخل المستشفى للعلاج.. عرفت أنه هو صاحب المنام.. فى هذه اللحظة تركتهم ينزلوه من السيارة.. وجريت إلى أمى أصرخ ها هو يا أماه وصل إليكِ.. قومى خذيه بين أحضانك.. ألحقينى يا أمى أدركينى يا أمى.. وهنا سمعت صوتها يبكى منذ أكثر من ٤٠ عامًا..
قبل يومين من حرب أكتوبر المجيدة.. لا أنسى بكاء أمى الذى لم يتوقف واخى الكبير معها على الخط :
"لا إله إلا الله يا أمى ".. وأمى تبكي!!.. وتتساءل بدهشة "فى أيه يا ابني"..
وهو يكرر: " لا إله إلا الله يا أمى".. وأمى تبكي!!.. وتتساءل ثانية بدهشة "فى أيه يا ابني":
"لا إله إلا الله يا أمى.. وأخيرًا.. رددت أمى.. محمد رسول الله.. يا ابنى يا حبيبي!"..
ظلت تبكى حتى كان يوم السادس من أكتوبر، العاشر من رمضان، عدنا من المدرسة الى البيت وكان الراديو مفتوح.. سمعنا بيانا عسكريا.. كنا لا نزال صغارا.. إلا أننا فوجئنا بصرخة أمى.. "يااااارب تارة "… "ابنى تارة أخرى!!".. وظلت على هذا الحال حتى انتهى البيان العسكرى..
وقتها ظلت ساجدة لوقت طويل.. ثم قامت رغم دموعها.. لإعداد الإفطار.. ونحن نبكى معها.. ولا ندرك ماهية الموقف.. وهى لا تشرح.. ما بين كلمتين "يا رب".... "ابنى"…
إنه أخى الكبير..
الذين أطلقوا عليه "الكوماندر" من خشونته ورجولته.. فكان شخصية متفردة فى الصلابة.. وكأنه خُلق فولاذيًا..
كان النصر و"كان العبور العظيم" بعد سنوات حرب الاستنزاف.. والإذلال والانكسار.. والدمار النفسى.. والبدنى.. والوطنى.. فاستحق ورفاقه أن يكونوا تلك الأسطورة… فى زمن الأسطورة..
حين ذهبوا وهم يعلمون أنهم على درجة الصفر "وعدوهم أعلى البرج".. ولكن إيمانهم العظيم.. العظيم.. العظيم بالله.. الذى تولد عنه الإيمان العظيم جدا بماهية الوطن.. والحفاظ عليه.. وحماية شعبه.. وسلامة أراضيه..
نعم.. أولًا وأخيرًا.. كان الإيمان العظيم بالله الذى مكنه من الاستمرار والإصرار على قتاله ونجاحه "فى مواصلة المسيرة"..
من الميج ١٧، إلى ميج ١٩، إلى ميج ٢١، إلى الميراج.. إلى أول سرب مدربين يستقبلون الـ F16 المُقاتَلَة من أمريكا..
وإثبات الوجود.. من بنى سويف.. لأسوان.. لغرب القاهرة.. لبرجاس.. لطنطا.. لأبوصوير.. قائد لمعظم المطارات العسكرية الجوية…
كان مشرفًا.. عظيمًا.. والحمد لله.. كان تاريخًا وجزءًا مشرفًا للوطن ولنا.. هو جعلنا جزءًا من الوطن.. نستكمل حياته النضالية والقتالية.. هو بالمقاتلات.. وأنا مثلا بالقلم.. وغيرى من أبناء العائلة إما مقاتلين فى الميدان مثله.. أو فى ميادين الحياة..
لم تكن مجرد أداء أعمال أو مهام ولكن العمل بكل الكيان والصدق والإخلاص!!..
لقد ساعدنى جدا قربى من أخى الكبير.. بعد إيمانى بالله.. ويقينى به.. أولًا وأخيرًا من عبر أزماتى.. لأن هذه هى الدعامة التى رسختها أمى وأبى.. لأنه كان نعم الأب..
حيث كان "أخى الكبير" شخصية المقاتل.. أكون أولا أكون!!.. وها أنا ذا.. نفس تلك الروح أتقلد بها إخوتى رجالًا ونساءً..
أخى الحبيب..
لن أقول الراحل.. الرحيل معناه انتزاع الشيء من أصله وجذوره.. وأنت وجودك كان وسيظل بين قلوبنا.. وملأ أرواحنا..
الرحيل معناه... الانقطاع أو الانتزاع!!.. وكيف يتم انتزاعك أو استئصالك من قلوبنا.. أو من أجسادنا.. فأنت الروح!!..
انت معنا فى يقظتنا.. وفى نومنا.. فى لقمتنا.. وفى لمتنا.. وفى مضان.. وفى العيد.. فى رجاءنا مع الله.. معنا حين فعل الخير.. معنا فى شدتنا.. معنا فى المشورة..
فرقت بيننا وبينك الآلام.. وأراحتنا العبادات.. ولقاء الله!!..
كيف نذهب إلى العمرة أو الحج وأنت كنت تنوى.. وتتشوق.. ويحدوك عظيم الأمل أن يُعجل بشفائك..
أبدًا لا أنسى تلك الأجواء التى كنت تعيشها فى المستشفى طوال الوقت.. حين كنت تقول: قد جاء موعد الصلاة.. للذهاب للمسجد!!..
إنها الأجواء التى عشناها من خلالك.. داخل المستشفى.. كم أحسسنا أننا داخل مدينة النور.. والرحمة.. والطمأنينة.. حرم النبى "صلى الله عليه وسلم".. المدينة المنورة..
أخى الحبيب..
حسبى ألقاك لا أبالغ.. وأنا أقول لك: أنك كنت تؤدى المناسك.. وأنت بيننا.. وأنت على فراش المرض.. الذى باغتنا باختطافك من بيننا.. وإن شاء الله سوف يتقبلها الله.. ويكتب لك أجرها.. وثوابها بإذن الله..
يخفف حزنى لفراقك.. أنك معنا ما حيينا.. ملازمًا لنا.. كما كنت دومًا..
وإلى لقاء تحت لواء الرحمة فى الكعبة.. بيت الله الحرام..
وإلى لقاء فى الروضة الشريفة.. نجدد عهدنا مع حبيبنا.. وشفيعنا "صلوات الله عليه وسلامه".. الذى وعد أن نحشر معه جميعا قدر حبنا له.. "يحشر المرء مع من أحب"..
يا رسول الله.. ليس لنا سواك حبيبا بعد الله نحشر معه.. ونطمئن.. ونجتمع.. ونمر على الصراط بأمان.. وندخل تحت عباءتك برحمة الله إلى دار السلام.. دار الخلد بالفردوس إن شاء الله..
يا رسول الله.. نسلمك شهيدنا.. حتى نلقاك يا حبيبي
لا أملك إلا التواصل معك بعد الله.. لتضمد كل جراحى وآلامى.. وتجفف دموعى..
يا رسول الله.. بعد أن طواه الثرى.. غارقًا فى دموعى ودموع كل إخوتى.. ومحبيه.. متشحًا بأحزاننا.. وبألم فراقه المرير.. أعود إلى مكانى.. بعد أن خرجت من المستشفى فى مرافقة أخى.. أعود ثانية إليك.. أعود بينك وبين آل بيتك الأشراف العظام..
أوصيك يا رسول الله قدر حبى لك.. ووصالى مع آل بيتك السادة الأشراف العظام..
أسأل الله العظيم.. رب العرش العظيم.. أن يشفعك فينا.. بقبول دعائنا لأخينا.. وأن يخفف آلامنا..
أسأل الله العظيم.. رب العرش العظيم.. أن يشفعك فينا.. بالرحمة الآن.. فوق الأرض.. وتحت الأرض.. ويوم العرض.. يوم أن نلحق بأهالينا.. يوم أن ينظر المرء ما قدمت يداه.. يوم ينادى المنادى من بطنان العرش.. أين العاصون؟!.. أين المذنبون؟!.. أين الغافلون؟!..
ها نحن الآن نقول لك أرجو أن تكون قد تقبلتنا ونحن لا نعرف الغفلة عنك أبدًا والحمد لله..
اللهم رحمتك.. فأنت أهل التقوى وأهل المغفرة.. وأنت أرحم الراحمين.. فإن ترحمنا فأنت أهل.. وإن تعذبنا فنحن أهل.. أنا الضعيف..
إلهى أصرخ عليك بحديثك القدسى.. وأقول وقولك الحق.. كيف يضيع الضعيف بين اللطيف والشريف؟!... أنا الضعيف..
أسأل الله العظيم.. رب العرش العظيم.. أن يقبل شفاعتك لنا ولأمتك.. يا رسول الله.. ولكل المستضعفين فى الأرض..
يا إلهى.. إن لم تفرغ دموعى.. فقد فرغت كلماتى.. ولم يتبقى إلا وجيب قلبى ونزيف روحى.. وتوسل جوارحى.. ورجاء أرجائى.. التى خارت.. واهترأت.. وتفتت.. حمدًا وشكرًا.. لأنك موجود.. عندك السلوى..
يا إلهى.. بك نستغيث فأغثنا..
يا إلهى.. أغث مهمومين ببابك.. وأجرنا من عذابك..
يا كاشف كرب المكروبين.. نحن العاصين.. اكتبنا مع المستغفرين.. فنحن المقرين.. ببابك غافرًا للمذنبين.. المعترفين.. برحمتك يا أرحم الراحمين.. الخاشعين..
المتعلقين بجنابك..
نناديك أرحمنا يا مولانا..
إلهى..
أنا العبد الذليل.. فهل يرحم العبد إلا الرب؟؟!..
أنا المملوك وأنت المالك.. وهل يرحمنى إلا أنت؟؟!!..
أنا الضعيف.. وأنت القوى..
أنا الذليل.. وأنت العزيز..
أنا الفقير.. وأنت الغنى..
إلهى.. يا غفار.. يا حنان.. يا منان.. أنا الخائف الملهوف.. أسألك الأمان الأمان.. لى ولأهلى.. ولكل أمة النبى العدنان.. فى ظلمة القبر وضيقه…
إلهى.. الأمان الأمان.. لنا ولكل أمة محمد.. عند سؤال منكر ونكير وهيئتهما..
إلهى.. الأمان الأمان.. عند وحشة القبر وشدته..
إلهى.. الأمان الأمان.. يوم ينفخ فى الصور.. ففزع من فى السماوات ومن فى الأرض إلا ما شاء الله..
إلهى.. الأمان الأمان.. يوم تطوى السماء كطى السجل للكتب..
إلهى.. الأمان الأمان.. يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات.. وبرزوا لله الواحد القهار..
لمن الملك اليوم؟؟!... لله الواحد القهار