الجمعة 29 مارس 2024 01:20 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

العالم

الدكتور أيمن سلامة : ماذا بعد استقالة الحمدوك في السودان ؟

النهار نيوز

لم تمثل استقالة وزير الرؤساء السوداني السابق عبد الله حمدوك ثمة مفاجأة أو صدمة لأي متابع للمشهد الضبابي السوداني ، خاصة " دومين " العلاقة العسكرية -المدنية في العالم العربي في مرحلة حرجة تمر بها الدول في فترة بعد إقصاء النظم الاستبدادية غير الديمقراطية ، و السودان ليس استثناء بل دليل دامغ في هذا السياق .

لم تشهد العلاقة بين المكونين المدني والعسكري في السودان أية أريحية بل احتقان و توتر لم يسترهما أي حجاب ، فالمعادلة الصعبة التي اعتورت العلاقة بين المكونين السودانيين لا يفك طلاسمها الدساتير و المواثيق و الاتفاقات المختلفة ، فقد شهد السودان علي مدار عامين منذ إقصاء نظام البشير ما لم تشهده دولة واحدة في سائر الدول التي خُبرت بالانتقال الديمقراطي في كافة أرجاء المعمورة ومنذ منتصف سبعينات القرن المنصرم .

تعد البنية الهيكلية للمؤسسة العسكرية وما تخلفه من موروث تراكمي مميز لدي منتسبيها أحد أهم الإشكاليات التي تصعب من الاستمزاج في العلاقة بين المكونين في لسودان ، فالمؤسسة العسكرية ، بشكل عام ، تتميز بمجموعة من الخصائص التي تجعلها مختلفة عن غيرها من المؤسسات الاخرى ولعل أبرز هذه الخصائص هي ما تختلف به عن الغير من المؤسسات من حيث المهام، والتدرج الهرمي، والمساهمة الجماعية في تحمل الأعباء والواجبات والسلطة، وكذلك المعتقدات لدي أفراد الجماعة العسكرية وأهدافهم المشتركة .

يتبني المكون المدني في السودان المفاهيم الليبرالية التي تؤمن بضرورة السيطرة المدنية علي الأجهزة العسكرية بقصد تقييد القوات المسلحة والسيطرة عليها بالوسائل الدستورية والقانونية التي تُحد من صلاحيات المؤسسة العسكرية منعا لتدخلها في مهام السلطات المدنية مما يحفظ التوازن المناسب وبالقدر المطلوب في العلاقة المدنية والعسكرية بما يحفظ السلام والاستقرار في البلاد .

لا تزال الأكمة في موضعها في السودان، حيث لم تتخذ بعد أية آليات ناجزة من أجل إصلاح مسار العلاقات المدنية العسكرية في السودان وفق الأسس الدستورية التي حددها الإعلان الدستوري الذي عُطلت أهم مواده اللصيقة بتحديد الاختصاصات والصلاحيات للمكون المدني تحديداً، وربما تفاقم استقالة الحمدوك[ds1] المشهد السوداني المتدهور في الأصل و الأساس .

يتوقع أن تلقي استقالة حمدوك بآثار سلبية إضافية على المشهد الاقتصادي في السودان في ظل توقف المساعدات الدولية، فدفع ذلك التطور الحكومة للتفكير في مخارج أخرى لإنقاذ موازنة العام الجديد، مع تنويع مصادر الإيرادات ورفع كفاءة استخدام الموارد وتمكين القطاع الخاص من المساهمة في تحريك قطاعات الإنتاج وإنعاش الاقتصاد الوطني وتعافيه من تداعيات جائحة كورونا.

جليٌ أن استقالة الحمدوك ستلقي بظلال كثيفة وستؤثر تأثيراً سريعاً ومباشراً علي موازنة عام 2022 حيث سيتم إعداد هذه الموازنة في إطار سياسي مضطرب ومعقد، وحتي بعد تسمية من سيخلف الحمدوك في رئاسة الوزراء .

جليٌ أيضاً أن استقالة الحمدوك ستؤثر تأثيراً مباشراً علي استئناف الدعم الدولي للسودان وكان الحمدوك عاملاً إيجابياً فاعلاً بما بذله من جهدا حثيث فيما يتعلق بدمج الاقتصاد السوداني في الاقتصاد العالمي وإعفاء الدين الخارجي.

ختاماً ، لن يتحقق الانتقال الديمقراطي في السودان بالأمنيات الطيبة ، أو بتغيير الأشخاص ، أو بحسن النية النظرية التي لا تترجم لأي واقع عملي ، ولكن ما يحرك الماء الآسن في السودان ، ويحيل اللون الرمادي في السودان إلي الأبيض الشاهق ، هو التنفيذ الأمين للمواثيق المختلفة المبرمة بين الفريقين المتنازعين ، ويأتي في الصدارة من هذه المواثيق الإعلان الدستوري .

.