”الحكيم نعمان” ‬...معلم الأجيال 

‫منحني القدر فرصة التتلمذ مباشرة على يد ابو الصحافة الرياضية العربية منذ خمسينات القرن الماضي ورئيس تحرير الرياضة والشباب بمؤسسة اخبار اليوم الغراء الكابتن عبدالمجيد نعمان رحمه الله واسكنه فسيح جناته ، والذي انتقل الي الرفيق الأعلى في شهر ابريل من العام ٢٠٠٢ .
وكان القدر كريم معي كثيرا حيث أتاح لي فرصة الجلوس معه لساعات طويلة اثناء وجودنا في ضاحية لامارادا خلف ديزني لاند في مدينة لوس انجليس اثناء تغطية دورة الالعاب الاولمبية العام 1984 ، والحقيقة ادين له بالكثير وآخر هذه المكارم عندما طلب منه الاستاذ عبدالنور خليل سكرتير تحرير مجلة المصور وأبرز الصحفيين في مجال الصحافة الفنية ترشيح صحفي للعمل في مجلة الرياضي العربي في الكويت أوائل ثمانينات القرن الماضي، فرشحني أنا ، من غير ان يقول لي وعندما قبل ترشيحه من قبل صاحبة المجلة السيدة هداية السالم ، قال لي "انت مرشح لمنصب صحفي مهم جدا في الخليج .‬
‫وقبل ان أغادر الي الكويت ذهبت اليه في مكتبه لكي أودعه واقبل رأسه فقال لي اوصيك يا ابني بوصية ،لقمان الحكيم: إن من الكلام ما هو أشد من الحجر،وأنفذ من وخز الإبر،وأمر من الصبر، وأحر من الجمر.‬‫ وإن من القلوب مزارع، فازرع فيها الكلمة الطيبة، فإن لم تنبت كلها ينبت بعضها.
والكابتن نعمان من الشخصيات القليلة التي انتصر لهم جمال عبدالناصر شخصيا عندما تطاول عليه محافظ القاهرة وجيه اباظة وهو من الضباط الأحرار بل كان واحد من العوامل الفاصلة في نجاح ثورة يوليو 1952 عندما طار بطائرته الحربية فوق قصر المنتزه لاجبار فاروق على التنازل عن العرش وقبلها قام بتنظيم خلايا ثوريةداخل القوات‬ الجوية.وكان مسئول عن تأمين ثلاثة قواعد جوية في القاهرة (قاعدةالماظة،غرب القاهرة، مصر الجديدة ..(تطاول) )عليه، وكان وقتها بجانب منصبه رئيس تحرير الرياضة والشباب في مؤسسة اخبار اليوم الغراء ، سكرتير تحرير نقابة الصحافيين ... فعقد مجلس ادارة النقابة واتخذ قرار بمقاطة وجيه اباظة وعدم نشر اي اخبار او صور له او عليه الا في حالة واحدة اذا استقبله الزعيم تنشر الصورة ويكتب عليها التعليق "الرئيس غبد الناصر يستقبل محافظ القاهرة" فقط ...و جن وجيه اباظة عندما كان يطالع الصحف المصرية ولا يجد له اي خبر او صورة ، فذهب الي المشير عبدالحكيم عامر شاكيا ...فقال له الاخير ماذا فاعلت وعندما حكى له ما حصل ...نصحه عامر بان يذهب لعبد الناصر الوحيد الذي يحل لاباظة هذا الامر ...وبالفعل ذهب وجيه الي ابوخالد الذي قال له لا حل امامك الا الذهاب الي عبدالمجيد نعمان في مكتبه وتقديم خالص الاعتذار وهو ما حدث
ملحوظة كان الكابتن نعمان ملاح في سرب وجيه اباظة ... وهذه القصة ومن ضمن العديد من الحكايات رواه لي استاذي نعمان وانا اعد لاصدار كناب عنه تحت عنوان "الحكيم نعمان" ... هكذا الرجال وهكذا المواقف ، ومن ضمن ما قاله الزعيم عبدالناصر لوجيه اباظة بعد تأنيبه : انت رايح تضيق علي الناس في المتنفس الوحيد لهم وهو الرياضة ... اذهب الي نعمان في مكتبه واعتذر له ورد له الاعتبار بالشكل اللائق له ، وانا منتظر اقرأ تفاصيل ماحدث بينكما على صفحات الصحف المصرية امس قبل اليوم (بما يعني الذهاب فورا) ....‬
‫و من فصول كتاب "الحكيم نعمان" عن مسيرة أستاذي عبدالمجيد نعمان الذي منحني شرف الكتابة عنه واعطاني معلومات قيمة . ..‬
‫في العام 1958 استدعى الزعيم الخالد جمال عبدالناصر رفيق دربه وواحد من المؤسسين الاربعة الاوائل لتنظيم الضابط الاحرار الاب الروحي لي الاستاذ خالد محي الدين رحمة الله عليه من منفاه الاختياري في سويسرا والذي اختاره الصاغ الاحمر بعد احداث مارس 1954 ، واسند له منصب رئيس مجلس ادارة دار التحرير ( الجمهورية والمساء ومجلة التحرير" .‬
‫فقام زعيم التجمع الوطني التقدمي الوحدوي (فيما بعد) بعملية تطوير كبرى لمطبوعات المؤسسة فاختار الكابتن نعمان الذي كان واحد من الصف الثالث من احرار ثورة يوليو رغم انه كان قبل قيام الثورة الخالدة ملاح في السرب الملكي لرئاسة تحرير الرياضة والشباب في جريدة المساء .‬
‫وفي مدرسة الحكيم نعمان تلقى العديد من الاساتذة ومنهم ناصف سليم وحمدي النحاس وعبدالفضيل طه الدروس الاولى في عالم الصحافة الرياضية التي كانت قبل عهد نعمان عبارة عن ربع صفحة اخبار فقط ولم تكن تعرف الوصف او التحليل او التقارير او المقابلات او تقديم المباريات ولا تغطية البطولات والدورات .‬
‫ وفي واقعة كنت من الشهود عليها اثناء غداء محبة دعا اليه الشهيد فهد الاحمد الصحافيين المصريين في فتدق بلتيمور في لوس انجليس بحضور الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة .‬
‫سأل ناصف سليم رئيس القسم الرياضي في جريدة الجمهورية السابق الكابتن نعمان: هل تتذكر اول مقابلة معك للعمل في جريدة المساء .‬
‫قال له الكابتن نعمان نعم واعطيتك مقال من 5 صفحات فلوسكاب وقلت لك اريد ان تختصره بما لا يزيد عن 100 كلمة . ‬
‫وفي اوائل الستينات طلب الاخوين امين مصطفى وعلي ، الكابتن نعمان لمقابلة خاصة وعرضا عليه العمل في اخبار اليوم وبعد ما تم الاتفاق ... كتب له مصطفى امين ورقة فيها سياسة المؤسسة حوت على 10 نقاط ... وظلت هذه الورقة الصفراء امام عين الكابتن نعمان وبالتحديد اسفل زجاج مكتبه حتى انتقل لرحمة الله .‬
‫ و من اظرف المواقف في اول يوم عمل للحكيم نعمان في مؤسسة اخبار اليوم ، اتصلت به ناظرة مدرسة وقالت له ارسلت لك مع مندوب من عندنا بعض الاخبار ومعه 5 قروش قيمة النشر .‬
‫فرد عليها حكيم الصحافة الرياضية ومؤسسها :من قال لك ان نشر الاخبار بمقابل ، فردت عليه هكذا نعلم من الذين سبقوك ... وكان هذا الموقف بمثابة زلزال اطاح بكل المرتشين من اصحاب النفوس الضعيفة الذين يشترون ويباعون باثمان بخسة ... لتبدا الصحافة الرياضة عهدا جديدا من دون عبيد المال ... وكانت فاتحة لانضمام عدد من الضباط الرياضيين الي القسم الرياضي في الاخبار من اجل اعادة الاعتبار للصحافي الرياضي