السبت 23 أغسطس 2025 09:12 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

أدب وثقافة

د. تامر عزت يكتب: غير قابل للنشر

د. تامر عزت
د. تامر عزت

أشعة الشمس تتسرب داخل الغرفة في انسيابية، كان صديقنا منتعش الذهن في تلك اللحظة التي دخل فيها مكتبه الخاص، يُطلق صفيرًا مميزًا ، انقطع صفيره عندما وجد مُغلف بني اللون على مكتبه في شركته الخاصة ، كان المغلف كبيرًا بشكل ملحوظ، همّ أن يسأل سكرتيرته عن سر تواجد مثل هذا المغلف ولكنه آثر التأجيل، تردد أن يفتحه ويعلم ما بداخله، ( في وقت لاحق) هكذا حدّث نفسه، أزاح المغلف ولكنه لفت انتباهه أنه مُدون عليه من الخارج (غير قابل للنشر) !، تعجب من العنوان! ، حينها أرسل إلى سكرتيرته وسألها عن سر هذا الشيء والتي كانت بدورها متوترة قليلا وهي تجيب، لاحظ ارتباكها من نظرات عينيها وأخبرته بحضور رجلاً متقدمًا في العمر كان جاء قبل وصوله بنصف ساعة ، وأعطاها هذا المغلف، وأبلغها بأن تضعه على مكتبه وهمّت أن تفتحه لكنه حذرها بلهجة حادة وقاسية ارتعدت لها فرائصها من رد فعله، وعندما أرادت معرفة إسمه كان قد تبخر وكأنه لم يكن له وجود، والأدهى من ذلك أنها بحثت عنه خارج المكتب لم يكن له أدني أثر ، شكرها المدير وطلب منها العودة لعملها ، قطب حاجبيه وهو يفتح الظرف الذي كان مفتوحا بالفعل وأخرج منه الرسالة، بعد دقائق سنجده وقد اتسعت عيناه وتسارعت دقات قلبه، كان يلتهم الأسطر التهامًا ، خفقان قلبه تزداد كلما توغل قليلاً في أعماق الرسالة، فك رباط عنقه ، فقد أحس بأن روحه قد بلغت الحلقوم وقام من مكانه وفي يديه تلك الرسالة وكأنه يهرب من شيء ما ، شيء بين طيات تلك الأسطر تحمل غموضا عجيبا، لكنه لم يسعفه القدر فقد دارت به الدنيا في لحظات وسقط مغشيًا عليه ،سقط فوق الرسالة الطويلة الغامضة.

لا نزال في غرفة مكتبه ، فقد هرعت إليه السكرتيره عندما سمعت بارتطام جسده على الأرض ،أفاق بطلنا وجسده في حالة رخوة ، و بصعوبة فتح عينيه بعد القيام باسعافات اولية، كان الطبيب الذي يجاوره في نفس الطابق قد حضر سريعا عندما سمع صراخ السكرتيره، لم يكن طبيبه فقط، ولكنه صديق عمره، طلب من السكرتيره الخروج وإعداد فنجان قهوة ثقيلة له ؛لإعادة اتزانه مرة أخري وفنجان آخر لصديقه لسماع قصته بهدوء ،قام من مكانه يجر قدميه فقد كان لا يستطيع تحريكهما كأن بهما أثقالا، أمسك بالأوراق واعطاها لصديقه ليقرأ عليه ما تحتويه من غموض بصوت مسموع ..

" جدي الحبيب..
تحية طيبة وبعد ،
قد تندهش من رسالتي تلك في هذا التوقيت ، هذا الوقت الذي تمر به بضائقة مالية شديدة بسبب ظروف إقتصاد الوطن المتعثر ، وأن السنوات الماضية لم تكن على ما يرام فقد حدثت ارتباكات سياسية مُركزة وشديدة التعقيد ، مما أدي إلى نشوء خلل اقتصادي واجتماعي داخل الوطن وفراغ سياسي خارجه ، ولكنها أعلمك أمرا، أنها مرحلة وستمر بلا شك، فقد كنت تقول لي دائما ( إن الحياة مليئة بالمشاكل ولكل مشكلة حل ولكنها مسألة وقت).

نظر صديقه إليه مندهشا، وملامحه تنم عن عدم فهمه ، ولكن بطلنا أشار له بأن يُكمل القراءة .
استطرد الطبيب:
" لذلك يا جدي العزيز أنا أرجو منك التراجع عن فكرة الانتحار التي تراودك هذه الأيام".

سكت الطبيب عن القراءة ونظر لصديقه وعينيه تسأل عن صحة هذه المعلومة..أومأ بطلنا برأسه إشارة له بصحتها ..اضطرب الطبيب وأكمل :
" هل تذكر صديقك (.........) الذي كنت تقول عليه انه مُصاب بخلل نفسي والذي أثر في شخصيتك كثيرًا وهذا الاضطراب الوجداني الذي كان يعاني منه قد علّمك الكثير فيما بعد ، أذكر أنك قلت لي أنك توحدت مع شخصيته لفترة طويلة جعلت منك شخصًا واثقا من نفسك ومن طريقة تفكيرك ومن حكمة قراراتك.
جدي الحبيب..اصمد..أمامك مأزق حقيقي ستمر به بعد عدة أشهر ولكن بسبب صديقك الذي ذكرته لك منذ قليل سيكون هو مفتاح الحل ..نعم انت من سردت لي ذلك ..صديقك الذي احمل نفس اسمه تيمنا له وأفضاله عليك.

جدي الحبيب..لقد كنت خير صديق لي..علمتني الكثير من أسرار الحياة وكانت لك نظرات ثاقبة وبصيرة مستنيرة وحان الوقت لارد لك الجميل.
جدي الحنون..أرجوك أن لا تراودك نفسك على فعل هذه الجريمة في حقك وحقنا عليك
..لا تنتحر...أحتاج إليك مستقبلاً..كامل حُبي وأشواقي .
حفيدك"

انتهى الطبيب من القراءة، ونظر لصديقه وهو لم يستوعب أي شيء ، وعندما هدأ بطلنا وانتهي من قهوته ..أخبره بأنه بالفعل فكر في الانتحار..وبالفعل فكر في صديقه الذي أشير إليه في الرسالة وهو لم يُخبر بصفاته لأحد من قبل وأنه يصدق أن هذه الرسالة قادمة من المستقبل وطلب من صديقه قراءة آخر سطر ..لأنه لم ينتبه له جيدا.
فتح الطبيب الرسالة مرة أخرى وعلامات الاستفهام تطوف حول رأسه.وعندما قرأ السطر الأخير ...اتسعت عيناه وصُدم وبصوت مسموع قال :
حفيدك ( بهاء ) القادم من المستقبل!!

ابتسم بطلنا وسأل : ما رأيك في هذه المفاجأة يا د. بهاء ؟

9fe54cd1a30c641728d931356e9605c5.jpg
تامر