السبت 23 أغسطس 2025 08:57 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

أدب وثقافة

علي الدرورة يكتب : في ظل الصمت

د. علي الدرورة
د. علي الدرورة

*"يأتي على النّاس زمان تكون العافية فيه عشرة أجزاء: تسعة منها في اعتزال الناس، و واحدة في الصّمت!".*

حين قرأت هذه العبارة توقفت طويلاً وسرحت بخيالي بعيدًا، والسبب هو أنني أفكر دائمًا في اعتزال الناس، وطالما بدأت في تنفيذ الأمر، ولكن المشكلة تنتهي بعد يوم أو يومين وربما ثلاثة، وهذا قرار صعب، فعلاً صعب جدًّا.

لأنّ الاعتزال عن حياة الناس والانزواء منفردًا في عالم النسيان قد يكون له أسبابه العديدة، والإنسان بطبعه مخلوق اجتماعي يأنس بالآخرين.

فالابتعاد عن فعاليات الحياة يعني عدم الصلاة في الجامع، أو الحضور في أيّ تجمّع اجتماعي، وعدم زيارة الأهل والأرحام والجيران والتخلّي عن الأصدقاء.

ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه:
*لماذا يفضّل الإنسان الابتعاد عن حياة الناس والانزواء بعيدًا عن ضجيج المجتمع؟*

لعلّ المسألة هي إزعاج الناس أنفسهم، فترى هناك من يستغلّك، وغيرهم من يتقوّل عليك ويستغيبك ويعيبك حتى لو لم يكن فيك عيب، وغيرهم من يكرهك بلا أسباب، وقس على ذلك أمورًا كثيرة تجعل العاقل ينفر من المجتمع المحيط به عندما يرى تلك الصّور السّوداء فيكره كل ّمن حوله ويتمنّى التخلّص منهم ويشتري راحة نفسه بالابتعاد والانزواء عن كلّ هؤلاء.

أقوم عمدًا بإغلاق هاتفي الشخصي لمدة ثلاثين ساعة بعيدًا عن أسئلة الناس وأحاول أن تكون 50 ساعة، ولو أستطيع لأوصلتها إلى 70ساعة.

وحين أفتح الجوال أجد على الأقلّ 300 رسالة من جميع أنحاء العالم، وإذا تأخرت في الردّ فإنّها سوف تزداد ساعة بعد أخرى، وكلّها تنتظر الرّدود، والكلّ يسأل: *لماذا لا أرد عليه؟* ويتّهمني باتهامات بعيدة عن الصواب وكأنني ارتكبت جريمة لا تغتفر.

بلا شك أقرأ الرسائل فأضحك على ذلك الأسلوب من الأطراف الأخرى التي لم تعطني سببًا واحدًا لهذا الغياب، أو لأنني قد أخذت قسطاً من الراحة بعيداً عن القيل والقال وكثرة السؤال والأخبار المؤسفة أو المحزنة التي هي في الأساس تعكّر المزاج وتبقى طوال النهار في مزاح ذي أفكار سلبية.

إنّ الصّمت عن الناس هو بلا شك خير وبركة وراحة؛ لأنّ الانسجام مع النفس هو راحة نفسيّة مثاليّة وتجديد للنشاط النفسي بعيداً عن مشاكل ومعاناة الحياة التي لا تنتهي أبداً.
___________
منتدى النورس الثقافي.
م 33/ 21

الدرورة