الجمعة 19 أبريل 2024 12:31 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

د.محمود أبوعميرة يكتب: يا باغي الخير أقبل ... ويا باغي الشر أقصر

د. محمود أبو عميرة
د. محمود أبو عميرة

وفق ما أورده علماء الحديث الشريف ومنهم الإمام أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أقبل رمضان فإن ملك من قبل الله سبحانه وتعالى ينادى كل ليلة: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ..
ولئن كنا لا نسمع نداء هذا الملك الكريم إلا أننا لا بد من أن نكون على يقين من ذلك، لأنه قول النبي صلى الله عليه وسلم "وما ينطق عن الهوى" . ووفق قوانين الدنيا التي اختص الله بها حياة البشر على الأرض فإن كثيرا من أمور الغيبيات لا نراها في واقعنا الملموس أو المحسوس، ولا يعني ذلك عدم وجودها؛ فالملائكة من عالم الغيبيات الموجودة إلا أننا لانراهم ولا نسمعهم، وهم من خلق الله يعبدونه، ويدعونه خوفا، وطمعا في رضاه سبحانه وتعالى . والمهم هنا أن نستشعر نداء هذا الملك الكريم في هذا الشهر المبارك، ونبحث بداخلنا لنرى من أي الفريقين نحن: الخير، أم الشر والعياذ بالله .
فقلوب الناس جميعا إما قلب ينبض بالخير للناس، أو قلب ينبض بالشر لهم ولا يستويان، فشتان بين الخير والشر . ومما لا شك فيه أن هذا النداء المتكرر كل ليلة من ليالي الشهر الفضيل يعد حافزا لأهل الخير على الاستمرار فيه خاصة، وأن الأجر مضاعف كما يعد إنذارا لأهل الشر أن يقلعوا عنه وأن يجتنبوه لعلهم يفلحون . واسمحوا لي أن أتناول هذه الجزئية برؤية منطقية عقلانية بسيطة بأن أطرح سؤالا من شقين: الشق الأول لماذا يقبل الإنسان على فعل الشر وهل هو مكسب أم خسارة.؟
والشق الثاني: لماذا يجب على الإنسان فعل الخير، وهل هو أيضا مكسب أم خسارة ؟
والحقيقة أننا عندما نجيب على هذا التساؤل بشقيه فلا بد أن ندرك جميعا حقيقة وجودنا في الدنيا وإلى أين المصير ؟
كما لا بد أن ندرك بشيء من اليقين حقيقة الآخرة التي إليها مصيرنا جميعا . والمتأمل. في القرآن الكريم يجد أن الله سبحانه وتعالى قد أخبر عن هذه الحقيقة وحددها بأن قال تعالى: " وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون " . ومن الحقائق أيضا التي لا تقبل الشك أن الهدف من هذه العبادة في حياة الناس هو تحويلها إلى معاملات وأخلاق طيبة وبناء على ذلك، فإن الهدف من الدين كله هو أفعال الإنسان ومعاملاته وبالطبع أن تكون بالخير لا بالشر . والدليل على ذلك هو حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي حدد فيه الدين كله بكلمة واحده هى المعاملة ( الدين المعاملة ). وقطعا المقصود من الحديث الشريف هى المعاملة الحسنة. والأخلاق الطيبة.
وعلى ذلك فإننا لو تخيلنا أن إنسانا ما عبد الله بكل أشكال العبادة المشروعة لكنه سيء المعاملات، والخلق فإن كل هذه العبادات ليس لها قيمة بل هى مردودة عليه و هو مفلس بنص حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي رواه أبو هريرة رضى الله عنه وأرضاه: " أتدرون من المفلس ؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال عليه الصلاة والسلام: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياه فطرحت عليه ثم طرح في النار ) رواه مسلم . والعجيب في هذا الحديث النبوي الشريف وصف هذا الشخص رغم قيامه بكل أنواع العبادة بأنه مفلس، وأن مصيره يوم القيامة بين الخاسرين من أهل النار. وفي المقابل يدخل صاحب الخلق الكريم الجنة ويكون من بين السعداء في الدنيا والآخرة بحسن أخلاقه وطيب معاملاته مع الناس وبذلك يكون الهدف من أداء كل العبادات لله سبحانه وتعالى هو تحقيق المعاملات والأخلاق الحسنة مع الناس . ومن خلال هذا الطرح فإنني أريد أن يراجع كل واحد منا نفسه . فالإنسان بأخلاقه يرسم إطارا لنفسه لدى الناس من خلال تصوراتهم وانطباعاتهم الذهنية عنه . وهنا أتساءل لماذا يضع الإنسان لنفسه صورة ذهنية سيئة لدى الناس؟ وهل هذا يعد مكسبا له أو أنه من الممكن أن يحقق له سعادة في حياته أو حتى مع نفسه ؟
ولماذا لا يصنع المرء لنفسه إطارا سليما ومنطقيا لدى الآخرين من خلال صورة ذهنية طيبة عنه ؟
وتدفعنا الإجابة عن هذه التساؤلات إلى حقيقة مطلقة تؤكد على أن حسن الخلق والمعاملة الطيبة تعد طريق النجاح للإنسان في حياته مع الآخرين .
أما في الآخره فهو في أعلى درجات الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا .
فيما يعد سوء الخلق والمعاملة السيئة أقرب الطرق إلى الفشل في حياة الإنسان والسبب في دخول صاحبها جهنم والعياذ بالله .
وما أحوجنا ونحن نستقبل شهر القران الكريم أن نتحلى بالأخلاق والمعاملات الحسنة و أن نستلهم القدوة في كل معاملاتنا مع الناس من أخلاق سيد المرسلين وإمام الأولين و الاخرين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أكد في حديثه الشريف أنه إنما بعث من أجل مكارم الاخلاق حيث قال نصا ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وأن رسالته رسالة أخلاق ومعاملات في كل شيء وصدق الله العظيم الذي ذكاه فقال: " وإنك لعلى خلق عظيم ". فاللهم ارزقنا أحسن الأخلاق لا يرزق أحسنها إلا أنت واصرف عنا سيء الأخلاق لا يصرف عنا سيئها إلا أنت .. وصلى اللهم على من علم البشرية كلها حسن الخلق وطيب الكلام وعلى آله وصحبه أجمعين ..
وكل عام وأنتم بخير بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.