السبت 28 يونيو 2025 06:53 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

أدب وثقافة

رمز (الطير) عند الشاعر أبو يحيى التيهي

مسعد بدر
مسعد بدر

رمز (الطير) عند
الشاعر أبو يحيى التيهي
العلاقة بين الطائر والإنسان علاقة قديمة؛ فالطائر طعام الإنسان، ودليله إلي الماء، ورفيقه وأداته في الصيد، وحامل رسائله، ومصدر النغم الذي يشجيه، كما كان الطائر حارسا للإنسان ينذره كلما غضبت الطبيعة وهددت بكارثة، فضلا عن أن الطيور ظلت أمام البشر شاهدا على الرحمة والمودة والمحبة.
ونحن يهمنا في هذا المقام ما قاله عالم الأساطير (جوزيف كامبل): "الطائر هو رمز لتخلص الروح من عبودية الأرض". فكأن الطيور إنما تعبر بصورة دائمة عن تجاوز القصور البشري الحالم بالتعالي والحرية.
والشاعر أكثر الناس تطلعا إلى التحليق عاليا والانطلاق والتحرر؛ فهو أقوى الناس عاطفة وأرهفهم شعورا، وهو – بعد – أحوجهم إلى الرموز التي لا تقدم الفكرة مباشرة، وإنما توحي بها من وراء حجاب، ومن هنا، وجد الشعراء بغيتهم في رمز (الطير).
إن الرمز وسيلة بالغ أثرها في بناء القصيدة، وثراء إيحائها، وقوة تأثيرها في نفس وعقل المتلقي، والقصيدة بلا رمز "تجوع وتعرى، وتتحول إلى هيكل عظمي لجثة ميتة"، كما يقول (البياتي).
هذه مقدمة نظرية لأبيات للشاعر: أبو يحيى التيهي الذي يقول:
يا طير يا اللي تخفق الجنح بالجو
لا يا هنيّــك ، ما عليك الطواري
أناشدك بالله عن الحر مَن هو؟!
ما فيه غيرك حرّ كَنْ منْتَ داري
انت يهمك كيف تدني وتعلو
والا فنونك كيف صيد الحباري
حر (ن) تجوب البيد بالحين والتو
وانا بشر مثلي يحدد مساري!!
هذا شعر من المستوى الممتاز، انظر كيف إليه يغبط الطير الخافق في الجو مهنئا إياه بأنه لا يخضع لقانون (الطوارئ) الذي يفرضه بشر على البشر؛ لأن الطير حر، وهو حر لأنه يطير فيعلو ويسمو، فيثير في نفس شاعرنا تطلعه الكامن للحرية، وتوقه للانطلاق والانعتاق عن كل ما له صلة بالأرض السفلى التي تصبو نفس الشاعر لأن تنفذ منها، ولا نفاذ إلا بسلطان كسلطان الطير: جناح يخفق ويحلق، وبدون ذاك يظل المرء عبدا: "ما فيه غيرك حر كن منت داري"!
على أننا لا ينبغي أن يخدعنا الشاعر عن أنفسنا، فهو هنا لا ينادي طيرا ولا يخاطبه، وماذا يجديه خطاب الطائر نفعا؟ إن الشاعر هنا يخاطب أحلامه، نعم! ما هذا الطير المنعتق إلا الحلم المنطلق. فإن كان الشاعر – ونحن معه – قد وقع في أسر هذا الواقع القبيح الكئيب، هذا الأسر الذي لم يستطع الفكاك منه – إذا كان ذلك؛ فليطلق أحلامه تحلق فوق الألم ورغم الكآبة، فتمد لسانها ساخرة من طواري وعوادي الأيام، تصبح الأحلام حرة بتعاليها وتساميها، أينما شاءت يممت، تصيد ولا تُصاد، فهنيئا لها شموخها الحر، وويل لمن التصق بالأرض، ويل له من ذل العبودية!
أحسنت شاعرنا أبا يحيى التيهي!

رمز (الطير) عند الشاعر أبو يحيى التيهي