الجمعة 27 يونيو 2025 09:31 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

د. أسامة مدنى يكتب : ”في الجَد هزل وفي الهزل جَد” 

النهار نيوز

تعلمتُ أن للجدية مكانها وزمانها، وللهو محيطه وأوقاته؛ فصلٌ تامٌ بين الجَد واللعب، لا أخلط بينهما أبداً، فانطبع عليَّ شعار: "لا هزل حين الجَد ولا جَد حين الهزل."

أرانا في حياتنا اليومية كثيراً ما نخلط الجَد بالهزل والهزل بالجَد؛ نتراخى حتى موضع الهزل عندما يتطلب الأمر جَداً واجتهاداً، ونَجِدُّ حتى موضع التزمت عندما يتطلب الموقف مرحاً واستمتاعا. فإن جَدّ بعضنا لعب وإن لعب البعض الآخر جَدّ. فكم منّا تسامر وتكاسل عند قضاء مطالب وحوائج الناس في الدوائر الحكومية؟ وكم منا تراخى وأجّل مهام بحثية أو أخرى معملية أو غيرها ميدانية من أجل زيارة عائلية أو مباراة رياضية أو رحلة صيفية؟ وعلى النقيض، كم منا جادل وتناحر من أجل مباراة كروية، وكم منا عَلَا صوته وتشاجر بالأيدي من أجل دور بمدينة ترفيهية، ثم كم منا انتهى به الأمر بأقسام الشرطة بعد شدّ وجذب على شاطئ رملي أو مقهى شعبي أو ممشى عمومي؟!

يبدو أننا تطرّفنا في تحويل الجَد إلى هزل فتحول - واأسفاه - الهزل إلى جَد، فصرنا هازلين في أمورنا الجَدّية وجادين في أوقاتنا الهزلية. أهي عملية تعويضية استعضنا بمقتضاها الجَدّية والسعي في العمل والدوام بالتزمت والتعصب في اللعب والمزاح؟ أم هي عدم رغبة في تحمل المسئولية فخلطنا بين الإثنين كي تنتفي المساءلة؟ فهل صار هذا السلوك ثقافة تُعلي من الجَد عندما يتحول هزلاً، والهزل عندما يصير جَدّاً؛ وهل تناست هذه الثقافة منبعاً روحياً أصيلاً يفصل بين الحالين ويتجلى في قوله تعالى عن القرآن الكريم: "إنه لقول فصلٌ وما هو بالهزل" (الطارق: 14:13)؟

فلنُعِد الكَرّة من جديد. لنكن جَادين، ملتزمين، مثابرين عندما يحين الجَد والكد؛ وضاحكين، منطلقين، مبتهجين عندما تحل أوقات اللعب واللهو. عندها سنتوازن نفسياً وروحياً وجسدياً؛ سنتواصل ونتقارب ونتكامل، فيصبح لسلوكنا وضوحاً وفهماً، ولحياتنا معنىً ومغزى.

فهل نبدأ من جديد؟

...............................

 مستشار رئيس جامعة المنوفية وعميد آداب شبين الكوم