الجمعة 26 ديسمبر 2025 01:45 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

د .محمود ابوعميرة يكتب ؛ رجب شهر التهيئة القلبية ونفحات القرب الى الله

النهار نيوز

شهر رجبُ ليس رقمًا في تقويم، ولا محطةً عابرة بين عامٍ وعام، بل هو موعدٌ ربّانيّ تُستدعى فيه القلوب إلى حضرة اليقظة، وتُنادَى الأرواح لتغتسل من غبار الغفلة، قبل أن تُشرَع أبواب المواسم العظمى. إنّه شهرٌ إذا أقبل، أقبلت معه المعاني، وإذا حضر، حضرت الحكمة، وإذا تنفّس، تنفّست القلوب ذكرًا وخشية.
وقد جعله الله من الأشهر الحُرُم، فرفعه مكانًا وزمانًا، وأمر بتعظيمه تعظيمًا صادقًا ينبع من القلب قبل الجوارح، فقال جلّ شأنه: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾ (التوبة: 36، وما أعظم هذه الوصية: فلا تظلموا فيهن أنفسكم؛ إذ الظلم الأكبر أن يُعرض القلب عن الله في زمنٍ فتح الله فيه أبواب القرب.
ويأتي شهرُ رجبَ كنسمةٍ ربانيةٍ رقيقة، يطرق أبواب القلوب قبل أن تفتح أبوابَ المواسم العظمى، فيوقظ الأرواح من غفلتها، ويذكّر النفوس بأن الطريق إلى الله يبدأ بخطوة صدق، وبدمعة خشية، وبعزم توبة، فهو واحدٌ من الأشهر التي يُربّي فيها الله عباده على تعظيم الحرمات، وحراسة القلوب، ومراجعة المسار، استعدادًا لمواسم الفضل القادمة.
وفي رجب نفحات لا تُدرَك بالحواس، بل تُستشعَر بالقلوب الصادقة، نفحات تُذكّرك بأن: للذنوب نهاية إذا وُلد الندم، وللقلب حياة إذا صادَق الذكر، وللطريق نورًا إذا صدقت النية قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾ (الحديد: 16، وكأن هذه الآية تُتلى في رجب على وجه الخصوص؛ سؤالٌ يهزّ القلب لا الأذن، ويوقظ الضمير لا السمع ليقول: أما آن للقلب أن يعود؟
وبذلك يكون رجب مدرسة للتزكية قبل مواسم العطاء، فليس شهرَ مظاهر وضجيج، بل شهرُ معاني وهمسٍ بين العبد وربه، فيه يتعلم المؤمن كيف يُخفّف أثقال الذنوب، ليحسن السير في شعبان، ثم يبلغ الى رمضان بقلبٍ سليم، فرجب ليس شهرًا يُنتظر، بل فرصةٌ لا تُفوَّت.
وفي رجب ايضا نفحات إيمانية تتنزّل على القلوب لا تُرى بالعين، ولكن تشعر بها القلوب الحيّة، نفحات تذكّرنا بأن: الذنب وإن طال، فباب التوبة لا يُغلق، وأن القلب مهما بلغت قسوته، فذكر الله يلينه، وأن الطريق مهما ابتعد، فخطوة الرجوع الى الله أقرب مما نظن يقول تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ﴾ (الزمر: 53، وبذلك يكون رجب هو الترجمة العملية لهذه الآية؛ لانه شهر الأمل بعد طول غفلة، وشهر الرجوع قبل حلول رمضان، وكأن الله ينادي عباده: تطهّروا قبل أن يُفتح باب الضيافة الكبرى.
وتعظيم شهر رجب يكون بـترك المعاصي قبل الإكثار من الطاعات، لأن سلامة القلب مقدّمة على كثرة العمل، ويكون بدعوة صادقة تعرضنا لنفحات الله، نعم عزيزي القارىء لا تجعل شهر رجب يمرّ عليك مرور العابرين، بل كن من المتعرّضين لنفحات الله، فقد قال صلى الله عليه وسلم : (إنَّ لربكم في أيام دهركم نفحات، ألا فتعرضوا لها)، فتعرّض لها بتوبةٍ صادقة، بصلاةٍ تُقام بخشوع، بقرآنٍ يُتلى بتدبّر.
ان شهر رجب ليس شهرًا عابرًا، بل رسالة ربانية: أن الطريق إلى الله يبدأ الآن لا غدًا، وأن القلوب التي تُصلح في رجب، تُفتح لها أبواب رمضان، وأن من صدق في البدايات، أكرمه الله في النهايات، فيا رب العالمين، إن كان رجب بابًا، فافتحه لنا، وإن كان طريقًا، فسهّله علينا، وإن كانت فيه نفحات، فلا تحرمنا منها، واجعلنا فيه من المقبولين، اللهم إن كان شهرَ التعظيم، فعظّم فيه قلوبنا بطاعتك، وإن كان شهرَ التهيئة، فهيّئنا فيه لرمضان بصدق النية، وإن كانت فيه نفحات، فلا تحرمنا فيه لذّة القرب منك، واجعلنا ممن إذا دخل رجب، دخلت معه الرحمة، وإذا أقبل رمضان، أقبل بقلبٍ سليم وروحٍ منيبة.

شهر رحب الصالخات الاشهر الحرم