الخميس 27 نوفمبر 2025 01:05 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

شرين عصام تكتب:المطلقة في السينما المصرية: بين قسوة الواقع وتشويه الصورة

النهار نيوز

على مدار عقود طويلة، لعبت السينما المصرية دورًا محوريًا في تشكيل وعي الجمهور تجاه قضايا المجتمع، ومن بينها صورة المرأة المطلقة. ورغم تنوع التناول السينمائي عبر السنين، ظلّت “المطلقة” محصورة في قالب درامي واحد يكاد يختزلها في كونها امرأة مثيرة للجدل، تتنقل بين العلاقات، أو تستغل جمالها للإيقاع بالرجال. هذه الصورة النمطية لم تبقَ مجرد طرح فني، بل تسللت إلى الوجدان الشعبي، لتسهم في وصمة اجتماعية تلاحق آلاف النساء في الواقع.

في كثير من الأفلام، ظهرت المطلقة كفتاة “متحررة” تبحث عن علاقة جديدة بلا قيود، أو كسيدة لا تتورع عن استخدام أنوثتها لتحقيق مصالحها. حتى الأفلام الكوميدية لم تُنصفها، بل جعلت منها مادة جاهزة للإغراء أو شخصية هامشية تُستخدم لإثارة الضحك أو خلق التوتر الدرامي، ومع الوقت تحولت هذه الصورة المتكررة إلى قناعة اجتماعية بأن المطلقة “خطر” على الأسر، وامرأة لا يمكن الوثوق بها، ما جعلها هدفًا للشك الدائم والتأويل المسيء.

لكن الحقيقة مختلفة تمامًا. فالمطلقة ليست سوى امرأة خاضت تجربة زواج لم تنجح، وتخرج منها مثقلة بملفات أكبر من مجرد “تحرر” كما يصورها الخيال السينمائي. إنها تواجه قسوة المجتمع، وضغوط تربية الأبناء، والصعوبات الاقتصادية، إضافة إلى نظرات الاستنكار التي تترصد كل خطوة تخطوها. وحين تختزل السينما كل هذا التعقيد الإنساني في صورة سطحية، فإنها تتجاهل واقعًا مؤلمًا تعيشه النساء يوميًا، وتشارك في تعزيز الوصمة التي يعانين منها.

ورغم السيل الجارف من الأعمال غير المنصفة، ظهرت عبر السنين نماذج سينمائية حاولت تقديم المطلقة ببعد إنساني حقيقي. قدمتها كأم مكافحة، أو امرأة قوية تحاول إعادة بناء حياتها بشجاعة، أو شخصية تبحث عن الأمان والكرامة بعد تجربة قاسية، لكن هذه الأعمال تظل قليلة وسط طغيان الصورة التقليدية السلبية.

السينما ليست مجرد وسيلة للترفيه؛ إنها صناعة للوعي ورسم للثقافة العامة. وعندما تستسهل إعادة تدوير صورة نمطية للمطلقة باعتبارها “أداة للإثارة”، فإنها تساهم في ظلم فئة كبيرة من النساء، وتعيد إنتاج التمييز ضدهن. المطلقة ليست مشروع علاقة عابرة، وليست رمزًا للخطيئة كما تقدمها بعض الأفلام، بل امرأة كاملة لها حقوقها وكرامتها وإنسانيتها. ومن واجب الفن أن يعكس واقعها بتوازن وصدق، بعيدًا عن التعميم والتجريح.

لقد آن الأوان لإعادة النظر في حضور المطلقة داخل السينما المصرية. فالمجتمع يحتاج إلى خطاب فني جديد يعترف بتجربة هذه المرأة، ويقدمها كنموذج للقوة والصمود، ويجعل منها بطلة حقيقية تعكس واقع آلاف السيدات اللواتي يخضن الحياة بشجاعة بعد الطلاق.