السبت 13 سبتمبر 2025 03:53 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

أدب وثقافة

(قصة حقيقية لطفلة فلسطينية نجت من موت محقق في غزة)

الروائية اللبنانية مريم هرموش تكتب: ريتال.. قصة وطن!!

الروائية اللبنانية مريم هرموش
الروائية اللبنانية مريم هرموش

في خضم الحرب التي لا ترحم في غزة، تتزاحم الحكايات الموجعة، لكن قصة ريتال تظل شاهدة نادرة على قسوة الموت ومعجزة النجاة. طفلة صغيرة خرجت من تحت الركام، كُفّنت، وحُملت إلى قبرها، قبل أن ترتجف ساقها في اللحظة الأخيرة وتعود إلى الحياة. هنا تروي ريتال حكايتها بصوتها.

لم يبقَ أحد؛ أبي، إخوتي الثلاثة، جدي وجدتي، وبيتنا كلّه صار ركامًا. أخرجوني من تحته ساكنة، ظنّوني ميتة. لفّوني بكفن أبيض، وحملوني إلى مثواي الأخير. وفي اللحظة الأخيرة، قبل أن يغطّوني بالتراب، ارتجفت ساقي. رجل واحد فقط رآها، صرخ:

"إنها حيّة!"

عادوا بي إلى المستشفى؛ كان جسدي محطّمًا، والأطباء يحاولون إنقاذ ما تبقّى. ثم سافرت إلى مصر مع الجرحى. هناك التحم جسدي ببطء، لكن قلبي بقي مكسورًا.

في جلسات العلاج بالفنون جلست صامتة، بعيدة. حتى اقتربت مني وجدان وفايزة، أمسكتا بيدي وأعطتاني الألوان. لم أرسم شمسًا، ولا بيتًا، ولا طيورًا. رسمت سرير المستشفى، المحاليل المعلّقة، دموع أمي، والبياض الكبير الذي لا يجيب.

ثم رسمت ما رأيته حين كدت أُدفن: وجوه المشيّعين، الغبار، الركام، وانعكاس العالم العاجز في عينيّ.

لم أرسم لألعب؛ رسمت لأنني لم أجد كلامًا آخر.

واليوم أسأل نفسي:

كيف يمكن لطفلة عادت من الموت أن تحيا مثل باقي البشر؟

هل أضحك مثلهم؟ أنام مثلهم؟ أعيش كأنني لم أُكفَّن يومًا؟

أنا ريتال.

نجوت… لكنني لست كما كنت.

وأعرف أنني لست وحدي.

كل أطفال غزة مثلي؛ يُكفَّنون صغارًا، ثم يُتركون في صمت العالم. أنا صوتهم. أنا ذاكرة الركام. أنا الشاهدة على موتٍ يتكرر كل يوم، وعلى خذلان يحيط بنا من كل الجهات.

أنا ريتال… لكنني أيضًا غزة.

الوطن الذي يُدفن حيًّا ويعود ليصرخ من تحت التراب:

"أنا حيّ… رغم كل شيء!"

مريم/هرموش