الخميس 1 مايو 2025 04:20 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

أدب وثقافة

قصة قصيرة

الأديب القدير عبد السادة البصري يكتب: صرخة

الأديب القدير عبد السادة البصري
الأديب القدير عبد السادة البصري

لم تكن صدفة، بل سبقتها حوادث كثيرة ، لم ينتبه الناس لها لانشغالهم بأمور أخرى ، ولفرط دهشتهم لما حدث أخيرا أخذوا يتساءلون عن السبب ،وهو معروف طبعا ،لكنّهم تناسوه وأخذوا يلومون القدر والطبيعة والسدّة التي انكسرت تلك الليلة محدثة فيضانا كاد أن يهلكهم غرقا، صخب وهياج وصراخ نسوة وأطفال وثغاء مواش حوّل سكون الليل الى ضجيج يصمّ الآذان ، الرجال يتراكضون حاملي المجارف والمساحي ، والشباب يحملون أكياس الرمل والأبواب الخشبية القديمة والجينكو ليسدّوا الفتحة التي أخذت بالاتساع في ركن السدّة الأيمن نتيجة الاهمال في بادىء الأمر واللامبالاة حين كان الماء يتسرّب من الشقوق شيئا فشيئا !!

الليل وخرير الماء ذو الصوت العالي وصياح سكّان القرية وحيواناتها منح الفضاء الساكن حركة لابدّ منها ، أخذت تتزايد ويعلو الصوت من وميض أضوية الفوانيس و( التورجات ) !!
في تلك اللحظة كان أبو أحمد ، ذلك الرجل الستيني الذي خرج من السجن قبل التغيير بأشهر في مقدّمة المبادرين الى العمل على ايقاف تدفّق المياه صوب البيوت ، استمرّ العمل بهمّة ونشاط قويين حتى تمكّن أبناء القرية من ايقاف الماء وسدّ الثلمة التي حدثت جرّاء تسرّب الماء من شقوق كتف النهروالتي لم يعر لها الاخرون اهتماما لحين حدوث الفيضان وما حصل ساعتها من هرج ومرج !!
ـــ دائما لم تسمعوا كلامنا وتأشيرنا لمواطن الخلل ؟!
قالها أبو أحمد وهو يغسل يديه عن الطين العالق فيهما مع زفرة قوية بددت الصمت .
ـــ لا نريد مشاكل يا أبا أحمد ، واترك عنك هذا الكلام ؟!
أجابه أحدهم ، لكنّه ردّ عليه بقوة وبصوت عالٍ :ــ
ـــ لا نريد مشاكل ، لا نريد مشاكل ، ترددونها دائما ، والمشاكل صورة حقيقية لحياتكم المتلبّبسة بها ، الى متى هذا السكوت على الخطأ يا ناس ؟!
لم يجبه أحد ، بل طأطأوا رؤوسهم خوفاً وخجلا ، ليكمل :ــ
منذ سنين والمشاكل زادنا اليومي ، كم أكلت الحروب منّا ولم نحرّك ساكنا ، وسامنا الظالمون العسف والويل فأكلنا الحصرم والنوى والشوك ولم نحرّك ساكنا ، وأضحت أرضنا نهباً لمن هبّ ودبّ ولم نحرّك ساكناً ، وبتنا لا نعرف ما سيكون عليه غدنا ولم نحرّك ساكناً ، علت القمامة وتغلغل الفساد في كل ركن ولم نحرّك ساكنا ، وها نحن كدنا أن نهلك غرقاً لولا اندفاع الشباب وهمّتهم ، ومانزال نردد لا نريد مشاكل ، أيّ مشاكل لم نعشها بعد ؟! وأيّ حياة نريد ؟!
حينها دبّت حركة بين الجمع الصامت والمختبىء خلف ستار الركود والسكون ، ليتردد صدى صرخة واحدة بددت السكون :ــ لا .... لا .... لا ....
لتصبح هذه الــ ( لا ) نهاراً غيّر شكل القرية وأبعد عنها غول الفيضان الذي كاد أن ينهيها تماما .

قصة/قصيرة