الأحد 15 يونيو 2025 06:27 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

د. إنجي فايد تكتب: كلمات تنقصها سطور!!

د. إنجي فايد_ كبير الباحثين بوزارة الآثار
د. إنجي فايد_ كبير الباحثين بوزارة الآثار

خرجت تائهة، لا تعلم أين تذهب، تستشعر مرارة في حلقها..لا تريد الذهاب لإبنتها، لدى زوجها ما يكفيه ولن تقلل من صورتها أمام زوجها أو أقاربه..حتى صديقتها المقربة لن تتمكن من الذهاب لها حرصا على مشاعرها ومشاعر زوجها.
الأقارب تفرقوا ..منزل والديها كان إيجار، لم يكن هناك مكان تذهب اليه..والليل بدأ يخيم بأستاره، إلى أين تذهب؟.. توجهت لتمضي ليلة في أحد فنادق مصر الجديدة، فالهم والحزن أغرقها، وحل عليها التعب والإرهاق.
حتى خيار الفندق لم يكن صائبا، فالأسعار فوق ما تتخيل، ولم يكن معها حتى مبلغ نصف ليلة.
كلمت سمسارا كانت ابنتها تعاملت معة لشراء بيتها الجديد قبل فترة، لعله يجد لها شقة متواضعة ومناسبة في السعر لائقة الموقع، فجاءها مسرعا وتوجهها معا إلى مكان غريب تجهله ونسيت كيف وصلت. مكان يصعب تخيله، هرولت وركضت مسرعة باكية .. تفتق ذهنها إلى أن تقضي ليلتها في سيارتها، فكان هذا هو الملاذ الأخير، ففتحت جزءا من النافذة، لم تفكر كثيرا فقد غلبها النوم وهزمها الإعياء الشديد، نامت ليلتها باكية منتحبة.
خرج النهار عليها ومع أول شهيق وزفير نظرت لحالها، انتفضت من شدة ما حل بها من مآل، توجهت بالسيارة إلى بيت ابنتها حيث يمكن لها أن تقص ما حدث لها وما مرت به من ليلة كئيبة دون أن يسمعهم أحد، وأثناء قيادتها.. دار في ذهنها كل التساؤلات والأحداث، شريط حياتها مر مرورا سريعا، تساءلت: "ماذا فعلت به لتكون هذه نهايتي بطردي"، ضحيت ..وفرت، ربيت الأطفال على أكمل وجه وشجعته ليتقدم في عمله وينتقل من عمل لآخر، تفانيت من أجل أسرتنا جميعا.
كانت حياتها مليئة بأحداث حلوة وأخرى مريرة ..خصام، زعل، حزن، لكن استمرت بحلوها ومرها بعذابها وأشجانها..أين ذهب العقل والضمير مما يحدث.
وصلت في نهاية المطاف إلى بيت ابنتها، وهمت بالنزول من السيارة، ولكن قدميها لم تتحملها فسقطت مغشيا عليها..ماتت المسكينة بسكتة قلبية مفاجئة لتذهب إلي مثواها الأخير.
سيارة المسكينة كانت ملاذها الوحيد الذي امتلكته وأوتها في ليلتها الأخيرة.
هذه القصة القصيرة ليست من بنات أفكاري، ولكن اشاهدها وأسمع عنها عشرات المرات يوميا، قصة تمثل حالة من بين آلاف الحالات ، ونجدها بين الأصدقاء وأفراد العائلة، في العمل وخلافه، موقف متوقع لأن يحدث لأي سيدة كانت مطلقة ضررا أو أرملة، كل النساء معرضات لأن تواجه نفس المآل، فليس الحدث الأول وطبيعي لن يكون الأخير، ولا تزال السيدات يتعذبن لم نر قانون إنصافهم ليخرج إلى النور.
تلك المأساة وغيرها تم تجسيدها منذ سنوات بعيدة في الشريط السينمائي "أريد حلا" وجميعنا شاهده مرارا وتألم لحال البطلة ومأساتها، فقد تحملت خيانة وظلمه سنوات طوال حتى أصبحت وحيدة بلا مأوى، نفس الحالة تناولتها الدراما في رمضان الأخير في إطار اجتماعي خفيف " حسبة عمري " وتناولت بحمة وواقعية الحل، نحن ننادي بضرورة بناء أسرة قوية ليكو المجتمع فاضلا، نبحث عن التعليم والثقافة كما تريد الدولة وتسعى جاهدة.
القوانين تُسن لتردع الشر وتمنع الغضب عن الناس، ولكن ما جدوى أن يصدر قانون متأخرا سنوات طويلة، فهذا يعني استمرار الظلم والمعاناة.
أطلقنا مبادرة "معا لحماية الأسرة" منذ ٢٠١٩ في مسعى اجتماعي وديني لاستعادة حقوق قد أقرها الشرع فعلا، تقدمنا بكل الأدلة العلمية والدينية لتعمل المبادرة على توعية المجتمع بأكثر من بند قانوني، من ضمنها تطبيق وثيقة التأمين من خطر الطلاق الذي صدق السيد الرئيس عليها لتكون موضع التنفيذ في أوائل العام الجاري. طالبت المبادرة بتعديل قانون الرؤية والحضانة للأب، طالبنا بتقنين "حق الكد والسعاية" بعد إجازته من مجمع الفقه الإسلامي عام ٢٠٢٣، ونحن في انتظار خروجه للنور، ليعيد الحق والسكينة لعدد لا يستهان به من المتعطشات لنيل الحق، فهذا الحق الديني والشرعي يحفظ الحقوق ويمنع الفاقه والحاجة، وطبيعي أن يكون المجتمع سويا، إذا نالت الزوجة والأرملة الحق في المال المكتسب بعد الزواج، فهي تساهم بجهدها ونفسها لتنمية ثروة الزوج عبر ما توفره في منزل الزوجية من مجهود ومحبة وطمأنينة للأبناء، وراحة هي نفسها ربما انحرمت منها لكي تحافظ على أسرتها.
لقد تم سن هذا الحق قانونا في المغرب وبعض دول آسيا، فكيف لنا ونحن نمتلك أقدم قوانين أن لا نعدل قوانين الأحوال الشخصية بما يتناسب مع مجتمعنا وما استجد عليه من تداعيات وإفرازات.
ونحن على وشك الاحتفال بمرور ١٢ عاما على ثورة ٣٠ يونيو، ننتظر قبل نهاية هذا العام تحقيق ثورة في قوانين الأحوال الشخصية وتعديلها بما يحقق تطبيق عادل ومتوازن للأسرة، بتبني وتشريع "حق الكد والسعاية". ولم لا.. ومصر عبرت عهدا جديدا بأمر ربها وتخطت العديد من الأزمات والتحديات ووقفت بفضل الله وعزم قائدها صامدة قوية شامخة بل سطرت تاريخا مزدهرا من التطور والتقدم في عدد من المجالات، وما زال العمل مستمر بخطى سديدة.
نحن مؤسسي مبادرة "حماية الأسرة المصرية" على يقين بأن الرئيس السيسي كما وجه سابقا بدراسة الأمر، أن يوجه بتقنين هذا الحق ليطبق فعلا مبدأ "رفقا بالقوارير"، وليدعم المجتمع ويحقق انجازا غير مسبوق في تاريخ القانون المصري الحديث.


يتطلب "حق الكد والسعاية" خطوتين أساسيتين: تقنينا وتطبيقا فعالا، فلكي يتحول هذا الحق إلى واقع ملموس، لا بد من تكريسه تشريعيا عبر إصدار نصوص قانونية واضحة، حق الكد والسعاية كلام ينقصها سطور القانون

د.إنجي فايد
كبير باحثي الآثار

9352f66533fe.jpg
الكد/والسعاية/معا/لحماية/الأسرة/المصرية