الجمعة 26 أبريل 2024 07:55 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

أيمن سلامة : لماذا تحث الإمارات المتحدة علي حسن النية لتسوية نزاع سد النهضة ؟

النهار نيوز

حَثّت البعثة الدائمة لدولة الإمارات لدى منظمة الأمم المتحدة مصر وإثيوبيا والسودان على مواصلة التفاوض حول سد النهضة بـ"نية حسنة"، وأكدت البعثة دعمها للاتحاد الأفريقي ولالتزام الدول الثلاث بالمفاوضات التي يرعاها، وأكد البيان أن الإمارات تؤمن بأن إعلان المبادئ الموقع في عام 2015 بشأن سد النهضة الإثيوبي مازال مرجعا أساسيا، مشددا على دعم الإمارات لهدف الأطراف الثلاث في التوصل إلى اتفاق وحل خلافاتهم من أجل تعظيم المكاسب لهم ولشعوبهم.

جَلي أن دولة الإمارات العربية المتحدة الدولة العضو في مجلس الأمن لمنظمة الأمم المتحدة تتصرف التصرف القانوني المتسق مع ميثاق منظمة الأمم المتحدة "المرجع الأعلى لكافة مبادئ وقواعد القانون الدولي "، حيث جعل الميثاق الأممي حسن النية أحد مقاصد و مبادئ منظمة الأمم المتحدة، حيث تنص الفقرة الثانية من المادة الثانية في الميثاق علي : " لكي يكفل أعضاء الهيئة لأنفسهم جميعا الحقوق و المزايا المترتبة علي صفة العضوية يقومون في حسن نية بالالتزامات التي أخذوها علي أنفسهم بهذا الميثاق " .

مفهوم حسن النية كما هو موجود في المصادر التاريخية والتقاليد المتنوعة لدي الحضارات المختلفة، نشأ في عصور ما قبل التاريخ، ويعكس المفهوم والمبدأ الحد الأدنى من التعاون البشري والتسامح كضروري لا غناء عنها حتي تبقي الأمم و الشعوب على قيد الحياة. تنطوي العضوية في أي مجموعة بشرية على التزامات، وحتى المجموعات البشرية الأولى فقد تطلبت أداء الالتزامات التي تم التعهد بها أو فرضها على أعضاء تلك المجموعات، و يمكن التعبير عن فكرة الالتزام المفترضة هنا بمعنى أن أحد أعضاء المجموعة "موثوق به" .

أشاد الفقيه الهولندي العظيم هوغو غروتيوس (1583-1645) بحسن النية في أعقاب حرب الثلاثين عامًا، وكان قد تأثر بمفكري العصور القديمة، وكتب غروتيوس أنه "يجب الحفاظ على حسن النية لأسباب أخرى [و] أن الأمل في السلام قد لا يتلاشى"، لأن كل دولة لا تدعمها فقط حسن النية ، كما أعلن شيشرون ، ولكن أيضًا المجتمع الأكبر الدول.

يقول أرسطو حقًا أنه إذا تم نزع حسن النية، فإن كل العلاقات الاجتماعية بين البشر لن تعد موجودة ...، أما سينيكا ، فقد ذكر "إن حسن النية أعظم خير للقلب البشري ... يجب أن تكون حسن النية الحاكم و المراقب الأعلى للإنسان ومن المهم بمكان الحفاظ علي ذلك المبدأ ، لأن انتهاك المبدأ والإفلات من العقاب ؛ يكون قد تم القضاء على حسن النية ، فسيكون البشر مثل الوحوش البرية التي يخشى جميع الناس عنفها ...

حسن النية ، بمعنى الثقة ، هو قيمة جوهرية للحضارة وضرورية في أي مفاوضات بين الدول أما التفاوض بحسن نية كما يفسره التحكيم و القضاء الدوليين ، وبالرغم من صعوبة تحديد عنصر حسن النية ، في السياق القضائي للمفاوضات الدولية ، لكن خط الأساس و حجر الزاوية في البحث عن سلوك حسن النية يـتأسسان علي واجب التفاوض بحسن نية ، فأي تفاوض بين أطراف المفاوضات يفتقر لحسن النية يكون فاسداً.

كانت المرونة والاستعداد لتقديم تنازلات والتعليق المؤقت لحقوق الأطراف أثناء التفاوض من جوانب حسن النية التي قدّرتها هيئة التحكيم الدولية في قضية "لاك لانوكس" عام (1957) ، و في هذه القضية بنت المحكمة قرارها بالكامل حول مفهوم المفاوضات بحسن نية ، ووصفت المحكمة العملية الأساسية للتفاوض بحسن نية على أنها عملية يتم وضع هدفها في حالة توازن مع المصالح في النزاع ، فقد ذكرت هيئة التحكيم الدولية : "على الدولة ، بموجب قواعد حسن النية ، الالتزام بمراعاة المصالح المختلفة الحاضرة ، والتطلع إليها لإرضاء كل ما يتوافق مع السعي وراء مصالحها الخاصة وإثبات أنها كموضوع لها ، رعاية حقيقية للتوفيق بين مصالح مالك النهر الآخر ومصالحه الخاصة، و من المعتاد ، عند أخذ المصالح المناوئة في الاعتبار ، ألا يبدي أحد الطرفين عنادًا بشأن جميع هذه الحقوق ، كما وصفت المحكمة سمات العكس أي سوء النية: "إن حقيقة الالتزامات التي تم التعهد بها لا جدال فيها ويمكن تطبيق العقوبات في هذه الحالة .. من قطع المفاوضات غير المبرر، والتأخيرات غير الطبيعية ، وتجاهل الإجراءات المتفق عليها ، والرفض المنهجي لأخذ المقترحات أو المصالح المعاكسة في الاعتبار ".

وقد أكدت محكمة العدل الدولية في قضايا بحر الشمال (1969) على الاهتمام بالجوهر والغرض، وليس مجرد الشكليات، باعتباره جانبًا من جوانب حسن النية في التفاوض ، و اعتبرت المحكمة أنه بموجب القانون العرفي ، فإن الواجب الأول للطرفين هو التفاوض على اتفاق، وذكرت كذلك أنه : "يلتزم الطرفان بالوعد بالتفاوض بهدف تحقيق اتفاق وليس مجرد المضي قدماً فيه ؛ ويلتزم الطرفان بالتصرف في مثل هذه الطريقة التي يكون للمفاوضات معنى ".

أيضا ركزت محكمة العدل الدولية على الإنصاف بين الطرفين ومراعاة قوانين ومصالح كل منهما ، كجوانب لحسن النية في التفاوض ، في حالات الاختصاص في قضية مصايد الأسماك (1974) ، والتي تتعلق بالنزاعات بين أيسلندا ، و المملكة المتحدة وألمانيا بشأن حقوق الصيد، لفقد وجّهت المحكمة الطرفين إلى التفاوض وذكرت أن: "يقع على عاتقهما واجب إجراء مفاوضاتهما بروح تلتزم كل منهما ، بحسن نية ، بمراعاة حقوق الطرف الآخر بشكل معقول ... للوصول إلى التوزيع العادل لموارد المحيطات ، بناءً على بيانات الوضع المحلي ، مع مراعاة مصالح الدول الأخرى التي لديها حقوق صيد راسخة في المنطقة " .

ختاماً ، ينطلق الموقف المبدئي لدولة الإمارات العربية المتحدة في صدد النزاع حول سد النهضة من واقع الحرص الأمين للإمارات العربية المتحدة علي توصل الدول المتنازعة الثلاثة حول السد في التوصل للاتفاق النهائي الفني الخاص بتشغيل و دارة سد النهضة ، والذي أخفقت الدول الثلاثة في التوصل إليه منذ الإعلان الانفرادي الإثيوبي عن تشييد سد النهضة في أبريل عام 2011 .