الفنان التشكيلي عبدالهادي شلا يكتب
لاشئ في سماء القاهرة!!


في أواخر الستينيات من القرن الماضي أيام الدراسة في القاهرة ،كنت أسير وصديقي في شارع سليمان باشا (طلعت حرب) وقت أن كان يعج بالناس ذهابا وإيابا وسط حركة عظيمة في القاهرة المزدحمة بكل أنواع البشر ومن كل الجنسيات العربية والأجنبية.
كنا في طريقنا لشراء حذاء من محل نعرفه ونتعامل معه خطر لنا أن نتندر فيما بيننا فوقفنا بقرب سينما "مترو" ذاك الوقت وأخذنا ننظر إلى السماء نشير بأصابعنا في الوقت الذي كنا نرفع صوتنا بكلم"أهه..هناك"!! حتى نثير كل من يمر بجوارنا.
في أقل من دقيقة كان حولنا ما يزيد عن خمسين شخصا بين رجل وإمرأة وطفل ينظرون إلى حيث نشير ونؤكد أنه هناك فوق العمارة العالية.
لفت نظرنا ووصل إلى أسماعنا أنا وصديقي ونحن ملتزمان الصمت وسط الهرج الذي تكون حولنا هو ما سمعناه من الناس :
**سيدة تقول لإبنتها :بصي هناك ..ناحية الأستاذ كان بشاور وشوفي كويس!!
البنت: مافيش حاجة يا ماما.
الأم:يابت ..بصي فوق العمارة !؟والله إنت بنت خايبة.
**رجل يتحدث مع زوجته: أنا شايف حاجة بس مش عارف هي إيه؟!
طب ..بص كويس وتأكد يمكن ناس من الفضا؟!
الرجل: ربنا يلطف بينا..يالله بينا إمشي.
أخرون يعلقون بكلمات تدعو للضحك وأخرى غريبة !
إنسحبنا أنا وصديقي ببطء دون أن يشعر بنا هذا الجمع الغفير بعد أن إنضم إليهم رجل المرور الذي كان يسهل مرورالسيارات التي أخذت تطلق صفاراتها وتعليقاتها لا لشيء سوى أن هناك تجمهر!!
في القاهرة ذاك الوقت كان من الممكن أن ترى و تسمع ما لايمكن أن تجده في الأفلام من طبيعة الحياة وبساطتها وطيبة غريبة توثق العلاقات بين الناس ولو لدقائق عابرة.
طال غيابنا أنا وصديقي أكثر من نصف ساعة وبعد أن إشتريت الحذاء وعدنا في نفس الإتجاه كان هناك بقايا من المارة مازالوا يستطلعون ويشيرون إلى حيث...لا شيء سوى لحظة مرح وسعادة زرعناها في مكان ما في الفضاء خرج فيها الجميع من رتابة اللحظة المملة أو حمل ثقيل كان على أكتافهم ،وما أن إنتهى العرض حتى عاد كل يفتش في همومه ويجر رجليه إلى حيث كان ينوي.
4 فبراير 2021