الثلاثاء 23 أبريل 2024 11:38 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

السياسة والبرلمان

الدكتور أيمن سلامة : ماذا يعني التهديد بفرض عقوبات علي الرئيس الروسي بوتين ؟

النهار نيوز

تعد العقوبات الذكية التي بدأت الولايات المتحدة في فرضها علي أشخاص وهيئات وشركات روسية منذ عام 2014 هي العقوبات الأشد التي فرضتها الولايات المتحدة تجاه مسؤولين و هيئات أجنبية ، ولا يناهز مثل هذه العقوبات سوي العقوبات المماثلة التي فرضتها الإدارة الأمريكية تجاه مسؤولين و هيئات وشركات إيرانية وغيرها من شركات أجنبية تتعامل مع المُعاقبين الإيرانيين بواسطة الإدارة الأمريكية .

تفرض الدول والهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي عقوبات اقتصادية لإكراه، أو ردع، أو معاقبة، أو فضح دول أو كيانات أو أشخاص تهدد مصالحها، أو تخرق قواعد السلوك الدولي ، فلجأت العديد من الدول و المنظمات الدولية و في صدارتها الولايات المتحدة الأميركية ومجلس الأمن والاتحاد الأوربي إلى فَرض العقوبات الاقتصادية بغرض تحقيق عدد من الأهداف الأمنية والسياسية أيضا بما في ذلك مكافحة الإرهاب، وتهريب المخدرات، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، والدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحل الصراعات.

وتعد العقوبات الاقتصادية أكثر أساليب الردع انتشارا وتأثيرا في العلاقات الدولية المعاصرة، حيث تمثل علاجا صامتا وقاتلا في الوقت نفسه بوسائل أقل عنفا، كما أثبتت التجربة أنها المُعادل الاقتصادي لما يسمى في الحروب بالقصف الشامل، وهي من الأساليب التي انتهجتها كل من المنظمات الدولية والدول أثناء الحرب الباردة وازداد استعمالها أكثر مع نهاية تلك الحرب، حيث فرضتها الأمم المتحدة مرتين فقط، ضد روديسيا السابقة عام 1966، وجنوب إفريقيا عام 1977، ليتصاعد استخدامها كاستراتيجية متكررة ابتداء من 1990 من خلال فرضها من قبل الأمم المتحدة أكثر من 12 مرة خلال الفترة بين عامي 1990 و2002، فضلا عن أن الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة فرضت العقوبات الاقتصادية سواء الانفرادية والثنائية والإقليمية.

تهدف العقوبات الاقتصادية إلى التأثير على إرادة دولة لِحثها على احترام قواعد القانون الدولي، وأن العقوبات لا تستهدف حفظ وحماية القانون فقط، لكن حفظ وحماية السلام الذي لا يتفق بالضرورة في كل الأحوال مع القانون، لذا فإن العقوبة الاقتصادية هي وسيلة ضغط إيجابية أو سلبية، تهدف إلى تغيير السلوك السياسي للدولة المعاقبة، وهذه العقوبة يمكن أن تتدرج من التهديد البسيط إلى مقاطعة كلية أو شاملة للعلاقات الاقتصادية بين المعاقِب والمستهدَف.

تَيقنت الأمم المتحدة أن الشعوب صارت ضحايا هذه الانتهاكات وليست الأنظمة السياسية، بل إن قادة هذه الدول وفي حالات عديدة انتفعوا بتأليب الشعوب المكلومة بنار العقوبات على "الآخر" الذي فرض هذه العقوبات، و كان الدرس العراقي بعد حرب الخليج 1990-1991 مريرا، فكانت التداعيات السلبية الكارثية على الشعب العراقي مدعاة لأن تقوم الأمم المتحدة باستلهام الدروس والعبر، فابتدعت المنظمة الأممية الآلية الجديدة للعقوبات الاقتصادية التي عرفت بالعقوبات الذكية، بغرض تجنب انتهاك الحقوق الأساسية لعامة السكان، والحد قدر المستطاع من المعضلات الأخلاقية التي تثيرها مثل هذه التدابير الجزائية داخل منظومة الأمم المتحدة أو خارجها، وحتى لا تتسبب هذه العقوبات في معاناة الفئات الضعيفة، وتولد أضرارا جسيمة طويلة الأجل علي القدرة الإنتاجية للبلد المستهدف، وآثارا وخيمة علي البلدان المجاورة، وكل ما سلف أشار إليه الأمين العام الأسبق لمنظمة الأمم المتحدة بطرس غالي في ملحق لخطة السلام في 1995.

جاءت استعارة "العقوبات الذكية" من الأهداف نفسها التي استهدفتها "الأسلحة الذكية" أي تصويب الأهداف بدقة من دون أن تؤثر على أشخاص أو أهداف ليست مقصودة بالعقوبات أصلا، لذلك فالعقوبات الذكية مثل "القنابل الذكية" التي تهدف إلى تركيز أثرها على القادة والنخب السياسية وشرائح المجتمع التي يعتقد أنها مسؤولة عن السلوك المنبوذ.

أثبتت التجربة أن العقوبات الاقتصادية هي المُعادل الاقتصادي لما يسمى في الحروب بالقصف الشامل، وهي من الأساليب التي انتهجتها كل من المنظمات الدولية والدول أثناء الحرب الباردة وازداد استعمالها أكثر مع نهاية تلك الحرب .

فرضت الولايات المتحدة حظر سفر وتجميد أصول وقيود مالية وتجارية ضد مئات الأفراد والشركات الروسية ، وتعد هذه العقوبات جزء من جهد متعدد الجنسيات لمعاقبة حكومة الرئيس فلاديمير بوتين على إثارة المشاكل خارج حدودها وعلى الإنترنت ، كما تزعم الإدارة الامريكية و حلفائها في الناتو ، لذلك تدرس الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون المزيد من الإجراءات التي تستهدف البنوك الروسية وواردات التكنولوجيا إذا قرر بوتين غزو أوكرانيا.

ومن بين المستهدفين بالعقوبات الأمريكية عددا من الحلفاء الروس للرئيس بوتين مثل المليارديرات أوليغ ديريباسكا ، وفيكتور فيكسيلبيرج ، ورئيس أركانه السابق سيرجي إيفانوف وديمتري روجوزين ، وعمالقة الشركات مثل Rosneft و Gazprom و Sberbank و VTB Group.

جاءت العقوبات الحديثة التي فرضتها إدارة الرئيس بايدن في مارس وأبريل 2021 في أعقاب مراجعة أمر بها بايدن في أول يوم له في منصبه في أربعة مجالات رئيسية تتعلق بروسيا: التدخل في انتخابات عام2020 ، وتقارير المكافآت الروسية على الجنود الأمريكيين في أفغانستان ، واختراق البرامج الموجودة في تكساس، وتسميم وسجن زعيم المعارضة أليكسي نافالني.

ختاما ، يعد التلويح الأمريكي بفرض العقوبات الذكية ولأول مرة علي رأس الدب الروسي تصعيدا خطيرا ، ليس فقط بالإسقاط علي نزاع الدولتين حول أوكرانيا ولكن في مجمل العلاقات الثنائية بين البلدين التي صارت العدائية تسبغها بلون يصعب طمسه أو مداراته .