الخميس 28 مارس 2024 08:48 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

السياسة والبرلمان

الدكتور أيمن سلامة يكتب : لماذا طردت بيلاروسيا السفير الفرنسي ؟

النهار نيوز

يقع علي عاتق المبعوث الدلوماسي عدة إلتزامات إزاء الدولة المضيفة ، من بينها الإلتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدولة ، وأكد الفقهاء القانونيون أنه يتعين علي الدبلوماسي أن يمتنع عن أي شكل من أشكال التصريح الذي يمس بحكومه الدولة المضيفة ومؤسساتها وسيادتها ، او عن التحريض على إحداث اضطرابات أو فوضي عامة ، او عن المشاركة او التخطيط لقلب نظام الحكم في الدولةه ، أوعن تعريض أمنها العام الى الخطر، او عن التاثير على حكومة هذه الدوله عن طريق تقديم رشاوي لبعض موظفي الحكومة، أو التعاون ماديا وسياسيا بشكل سري مع أحزاب المعارضة في الدولة المضيفة .

فمن المؤكد ان التدخل في الشؤون الداخلية للدول المضيفة ليس من الوظائف الدبلوماسية ، فلقد نصت المادة 41 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 على أنه " يجب على جميع المتمتعين بالامتيازات والحصانات ، مع عدم الاخلال بها ، احترام قوانين الدولة المعتمد لديها وانظمتها ، ويجب عليهم كذلك عدم التدخل في شؤونها الداخلية" .

إن هذا الالتزام بموجب نص المادة 41 هو التزام منطقي من حيث المبدأ ، ويخدم مصلحة المجتمع الدولي ، فطبقا لمفهوم التعسف ، فالتدخل في شؤون تُعد من صميم السلطان الداخلي للدوله المضيفة، والقيام بنشاطات من شانها ان تجعل امن الدولة المضيفه عرضة للخطر لا تتماشى مع الاهداف التي من اجلها تقررت الامتيازات والحصانات الدبلوماسية وافرادها ، وبالتالي يعتبر التدخل تعسفاً في استعمال هذه الامتيازات والحصانات .

إن الشؤون الداخليه للدولة المضيفة في حد ذاتها لا تحول دون أداء المبعوث لمهامه الرسميهة بشكل فعال، بل كل ما في الامر أن علي المبعوث ان يكون في مستوى الوظيفه التي كلف بالقيام بها ، ولا يخرج عن الحد الادنى من السلوك الواجب عليه اتباعه ، فمثلا ليس هناك اي إشكال اذا قام المبعوث الدبلوماسي بالاشادة بالاوضاع الداخلية السائدة في الدولة المضيفة وتقديم التقاريرعنها الى دولته الموفدة ، بهدف الاستفادة من تجاربها وايجابياتها ومحاولته تطبيقها على اوضاعها الداخلية، طالما ان ذلك يدخل في اطار مهمته المتمثله فى حمايه مصالح دولته الموفدة .

اما اذا حاول المبعوث الدبلوماسي الضغط على حكومة الدولة المضيفة والتاثيرعلى سياستها بواسطه دعم ومساعدة أحزاب المعارضة أو انتقاده ومعارضته شخصياً لحكومة الدولة المضيفة فإنه يكون قد تجاوز حدود السلك الدبلوماسي وخرج بالتالي عن نطاق الوظائف الدبلوماسية ، وفي هذه الحالة يكون قد تدخل في الشؤون الداخلية للدولة المضيفة .

لا يحق للمبعوث الدبلومسين أن يستخدم كافه الوسائل المتاحه لديه لتدعيم احزاب المعارضة في الدوله المضيفه سياسيا وماديا ، لاسيما في الحملات الانتخابية الرسمية ، او التآمر لقلب نظام الحكم فيها بحجة ان سياسة ومواقف الدولة المضيفة متعارضة مع سياسة وموقف ومصالح دولته ، فهذا التصرف يخرج عن نطاق الوظائف الدبلوماسية للمبعوث الدبلوماسي داخل الدولة المضيفة لاسيما تعزيز العلاقات الوديه ، فمن شأن ذلك أن يؤدي الى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين الموفدة والمضيفة.

سبق أن طردت السلطات البريطانية احد المبعوثين الدبلوماسيين للسفاره السوفيتية في لندن حيث ثبت انه كان وراء مظاهرات شعبية في بريطانيا عام 1981 ، وايضا في عام 1981 قام السفيرالامريكي المعتمد لدي ايرلندا الجنوبية بالمشاركة مع زوجته في الحملة الانتخابية في تلك الدولة ، وقد تجسدت هذه المشاركة في تنقل السفير مع أحد زعماء الأحزاب على متن حافلة خاصة بالحملة الانتخابية ، وحاول السفير تبرير تصرفاته ونشاط بأنه فعل ذلك مع جميع الاحزاب المشاركه في الانتخابات بدون تمييز، وانه شارك في الحمله الانتخابيه كملاحظ فقط ، وان ذلك يندرج ضمن وظائفه هيئه الدبلوماسية لاسيما استطلاع الاحوال والتطورات في الدولة المضيفة ، ورغم تبريرات السفير الامريكي واقتناع الحكومة الإيرلندية بها والتزامها الصمت ، فان هذا التصرف تعارض من ناحية مع الصفة الدبلوماسية والتمثيلية للسفير ، ومن ناحية اخرى يتعارض مع وظائفه الرسميه كمبعوث دبلوماسي .

ختاماً ، يمكن القول ان كل دولة مضيفة لها مصلحة تتمثل في امتناع افراد البعثات الاجنبية المعتمدة لديها عن التدخل في شؤونها الداخلية، ومن هذا المنطلق تحرص كل الدول على ضمان امتناع بعثتها الدبلوماسية وافرادها عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول المضيفة لأن ن جميع الدول لها مصلحة مشتركة في استمرار العلاقات الدبلوماسية .