السبت 23 أغسطس 2025 10:04 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

ياسر حمدي يكتب: يا وزيرة الصحة.. إكرام الميت دفنه

الصحفي ياسر حمدي
الصحفي ياسر حمدي

اعتنت شريعتنا الغراء وكل الشعائر السماوية بالإنسان أعظم عناية، وكرمته أيما تكريم، يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا} (الإسراء:70)، ولم تنته عناية الشريعة بالإنسان بانتهاء حياته، بل أمتدت إلى ما بعد موته، فجعلت حُرمة الميت كحرمة الحي، ونص الدستور المصري على معاقبة إهدار كرامة الإنسان حياً أو ميتًا… كما نصت المادة 35 من الدستور على أن «الملكية الخاصة مصونة»، ونصت المادة 51 منه على أن «الكرامة حق لكل إنسان، ولا يجوز المساس بها، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها».

وكعادة كل يوم وبعد الاستيقاظ مبكرًا من النوم وأثناء احتسائي فنجال القهوة للذهاب إلى الجرنال سمعت صوت جرس التليفون، وإذ بأخي يبلغني بوفاة الشاب الخلوق الطيب أحمد بدوي بمقر عمله بالعاصمة الإدارية، والذي نحتسبه عند الله من الشهداء.

وقبل إنهاء المكالمة علمت منه سبب الوفاة ومكان تواجدهم، وبين البكاء والحزن الشديدين أخبرت كل أفراد عائلة شهيد العمل بإذن الله بالحادث الأليم، ثم توجهت مسرعًا لمكان تواجدهم بمستشفى بدر التعليمي بمدينة بدر، وهي أقرب مكان تتوجه إليه سيارات الإسعاف حال حدوث أي طارئ لعمال العاصمة الجديدة.

الغريب في الأمر أن كل أهالي البلدة التي يقيم فيها الشاب الكريم تلقوا خبر وفاته بالصدمة والحزن وعدم التصديق بالخبر نظرًا لصغر سنه وطيبة قلبه وتربيته الحسنه وإحترامه للكبير والصغير، فالفاجعة جعلتهم جميعاً يهرولوا للمستشفى لإلقاء نظرة الوداع على فقيدهم ومواساة أبويه الذين غشيهم الهم والحزن.

وكانت المفاجأة حينما طلبت من إدارة المستشفى معرفة إجراء تصاريح الدفن وخلافه، فقد قال النبي الأمين «إكرام الميت دفنه»، لكن للأسف في مثل هذه الفاجعة يكون العكس، فلا إكرام للميت بدفنه من قبل العاملين بالصحة المصرية ولا هناك حرمه لجثته الملقاه بأروقة المستشفى وأهله خلف أسوارها مخيم عليهم الغضب والحزن بعضهم مغشي عليه من شدة المصيبة، كل ما يشغل بالهم هو دفن فقيدهم.

وعلمت من مسؤولي المستشفى أنه لابد من عمل محضر بقسم الشرطة وهناك سيعلمنا رجال الداخلية بباقي الإجراءات، الغريب في الأمر أن حادث الوفاة كان بسبب إنهيار جزء من حائط بالدور السابع في إحدى عمارات العاصمة وسقط جزء منها على رأسه، فلا توجد شبهة جنائية ولا للميت عداوة مع أحد، لكن حدث ما حدث بمنطقة العاصمة الإدارية، وجثمان شهيد عمله بمستشفى بدر التعليمي ببدر، لكن المحضر لابد وأن يحرر بقسم شرطة التجمع الأول، فبين هذا وذاك عشرات الكيلومترات، مسافات بعيدة للتحرك من هنا لهناك، ووقت طويل ضائع بلا جدوى ولا رحمة بأهل الفقيد.

على الفور توجهنا بصحبة والده المكلوم لقسم شرطة التجمع الأول وكان عندهم رحمة بعض الشيء، لأنه كان من المفترض عمل محضر بنقطة الشرطة بالعاصمة الإدارية ثم التوجه لقسم التجمع الأول لكنهم تحدثوا مع القائمين بالعمل في النقطة، وتحرر المحضر وطلب الضابط إثنان من الشهود من العاملين معه، فما كان علينا سوى طلب الإثنين وهرولوا لنا مسرعين من مدينة بدر، فلاحظ هنا كم الوقت الضائع جراء البيروقراطية العقيمة لإستخراج ورقة لميت لابد من تكريمه وتسليمه لذويهم ليدفن.

جاء الشاهدان وبعد وقت طويل من الإنتظار داخل أروقة القسم، تحرك معنا أحد أفراد قسم التجمع الأول لمحكمة التجمع الخامس، وكنا نسابق الزمن من أجل إنهاء الإجراءات القانونية اللازمة لدفن جثة هذا الشاب الطيب، وطلبنا من وكيل النائب العام سرعة الإجراءات وساعدنا قدر المستطاع، ثم عدنا ثانيةً إلى القسم وقد أخذ هذا الإجراء أكثر من الثلاث ساعات ونصف منذ خروجنا من القسم حتى العودة إليه ووالد الشهيد في حالة نفسية لا يرثى لها.

دخلنا قسم الشرطة والبيروقراطية تلاحقنا في كل مكان، وقام الضابط المختص بتسليمنا ورقة أخرى لموظف الصحة لإستخراج وثيقة الدفن وكانت الطامة الكبرى، فقد كانت الساعة وقتها الخامسة مساءً، فمنذ الصباح حتى الخامسة في هذا الإجراء، لكن للأسف كانت الصدمة الكبيرة مع موظفي وزارة الصحة، فقمنا بالإتصال الهاتفي بمستشفى بدر كي نصل لموظف الصحة فأخبرونا بعدم وجوده نظراً لإنتهاء وقت عمله الذي ينتهي في الثالثة عصرًا، فكيف لسكان هذه المدينة أن يستخرجوا وثيقة دفن موتاهم بعد هذه الساعة؟.. ولماذا لم تكون هناك وردية أخرى؟.. وما هو السبب في عدم وجود موظف الصحة على مدار الساعة بالتناوب؟.

أسرعنا إلى صحة التجمع الخامس ومنها إلى صحة القاهرة الجديدة وبعدها إلى النزهة وكأننا نبحث عن سراب، حتى دلنا موظف بصحة النزهة بمصر الجديدة بالتوجه إلى «مشرحة زينهم»، وكانت هناك طامة أكبر مما سبق، فالبيروقراطية تلاحقنا أينما كنا، هناك طلب منا موظف الصحة التحرك بصحبتنا إلى المستشفى ببدر لكتابة التقرير ثم العودة لصحة المنيرة ثم كتابة التقرير ثم التوجه لقسم شرطة التجمع الأول ثم العودة مرة أخرى لموظف الصحة، لكم أن تتخيلوا هذه الكارثة وكم الوقت الضائع والمهدر بسبب وزارة الصحة التي بها من الموظفين بالملايين، وسوء إدارتهم لقطاع يتعلق بتكريم إنسان ميت.

ذهبنا مع المسؤول للمستشفى وأهل الميت في إنتظار على أحر من نار الجمر، ثم عدنا وكتب التقرير وبعدها ذهبنا للقسم ثم عدنا لصحة المنيرة، وأخيراً حصلنا على وثيقة دفن شهيد العمل وكانت الساعة تخطت الواحدة بعد منتصف الليل، ثم ذهبنا إلى مستشفى بدر لإتمام عملية الغسل والتكفين، وخرجنا الساعة الثالثة ونصف صباحاً من بدر وأهل الميت قد فاض بهم، وراح هذا الوقت مهدورًا في بيروقراطية عقيمة سببها سوء إدارة من وزارة للأسف تسمى ب«وزارة الصحة والسكان»، وخالف كل القائمين على هذه الوزارة وعلى رأسهم الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة الدستور والشرع والإنسانية.

فيا معالي الوزيرة ويا كل أفراد الحكومة أأكد لكم «أن أحترام حرمة الميت وآدميته وإنسانيته واجب شرعي ووطني وإنساني، فلا تأخذكم الجرأة على حرمة الإنسان حياً أو ميتاً، و التعرض لمنع دفنه أو مجرد تعطيل الدفن أو تأخيره، فذلك مناف لكل القيم الدينية والوطنية والأخلاقية والإنسانية»، فمات أحمد الشاب الخلوق وهو يرتدي زي عمله وإنفطر قلب أبواه عليه وزاد حزنهم وبأسهم وهو ملقى بالمستشفى وهم لا حول لهم ولا قوة بسبب ورقة لميت، المخزي أننا ساعدنا بكل قوة في سرعة إستخراج هذه الورقة، فما بالكم بالكثير من المواطنين الذين يرون الأمرين لإستخراج مثلها وقد يتأخر دفن موتاهم بالأيام.

يا كل موظفي الدولة «إن هذا أوان التكاتف والتراحم، وأن ديننا يدعونا إلى إغاثة المكروب وتفريج كربه»، ولا شك أن المرض كرب من الكروب التي يحتاج فيها المريض إلى من يعمل إلى تخفيف ألمه الحسي والمعنوي، كما أن أهل الميت في حاجة إلى المواساة والمساعدة لا إلى من يقف في وجوههم أو يزيد من ألمهم، على أن شكر نعمة المعافاة يقتضي مساعدة المكروبين ومواساة المكروبين وإعلاء قيم التراحم وسائر القيم الإنسانية الراقية، ديانة ووطنية وإنسانية.

نحن أحوج ما نكون إلى إعلاء قيم الإيثار لا الأثرة ولا الأنانية، نحتاج إلى مزيد من التراحم، فالراحمون هم من يرحمهم الرحمن، ومن لا يرحم لا يرحم، ومريض اليوم قد يكون صحيح الغد، وصحيح اليوم قد يكون مريض الغد، وما الموت والأجل عن أحد منا ببعيد.

ياسر حمدي أحمد بدوي وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد إكرام الميت دفنه البيروقراطية العاصمة الإدارية وزارة الصحة التجمع الخامس مدينة بدر