علي الدرورة يكتب: المسلك الواضح

التحكم في العقل مسلك أخلاقي وحضاري لا يمكن السير عليه بسهولة ويسر لأكياس الناس. حتى أولئك الذي تضع ثقتك فيهم وتظنّ أنّهم قمّة في التديّن والأدب لا تستطيع اكتشاف بواطن أمورهم بسهولة إلّا على محكّ الأفعال حيث يوزن المرء برجاحة عقله.

عين العقل هنا هو الذي يتحكم بمشاعره وانفعالاته، ولكنّ الكثير يتحكم فيه الهوى ويذهب بالحلم والأخلاق أدراج الرياح، فلا يستغني العاقل عن المشاورة كما قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

في هذه الحياة هناك من يضع قليلاً من العاطفة على عقله حتى يلين ويرتقي بأخلاقه في درجات عليا، فيكون قلبه كبيراً ومتفتحاً وسمحاً إلى حدود غير متناهية، وهناك من يضع قليلاً من العقل على قلبه كي تستقيم جلّ أموره فيغدو سالكاً دروب الصالحين، وهؤلاء بلا شك ولا ريب فئة نادرة في المجتمعات، ومن أقوال الإمام علي (ع): *"شاور ذوي العقول تأمن الزلل والنّدم"*.

وأصحاب العقول الرزينة لديهم خصال حميدة، فهؤلاء لا يهمّهم القيل والقال بل لا يكترثون بسفاسف الأمور، بل إنّها لا تهمّهم من الأساس، فحسبهم أنّهم نافذو البصيرة على أنفسهم مما يجعلهم في رقي حضاري.

يقول شمس التبريزي:
*لكي يكون إيمانك صلباً، يجب أن يكون قلبك ناعماً، مثل الرّيش.*

والغريب في الأمر أنّ هناك أقفالاً على كثير من القلوب، فهي في صمم عن الولوج في مسالك الخير، وتبحث عن الأمر السيئ أسرع من طلبها الحقّ ودون شعور بعواقب الأمور، وما هو معروف أنه: لا مسلك أسلم من الاستقامة، وقد أكّد عليُّ بن أبي طالب على هذه النقطة.

وتتناسى تلك الفئة أنّ هناك سلّماً واضحاً ومستقيماً يوصلها إلى مراتب الكمال، والمشكلة أنّها ترفضه فتتخبّط في ظلام الغي والجهل ظنًّا منهم بأنّ ذلك هو الصواب.

والعقل كما هو معروف علميًّا يرسل إشارات للقلب، وكما يقول جلال الدين الرومي: *لا تؤذِ قلباً رقّ لك يوماً، فلحظات الودّ لها عليك ألفّ حقٍّ وحقٍّ.*

ولكنّ القلب المتحجر أو المتعجرف لا يهمّه إرسال ذلك الأذى، فهو سرعان ما ينقلب، ولهذا سمي القلب قلباً، لتقلبه من حال إلى حال، وبإمكان أن تنتهي كلّ الأمور الرائعة في هذه الحياة بسرعة دون ترجيح العقل.

وهنا فالعقل الباطن لن يستيقظ، إلّا متأخراً، وحين تتضح الحقائق تكون الأمور قد تبخرت وولّى زمانها،
وفي الختام قال الإمام علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه الشريف): *رأس الفضائل وينبوع الأدب هو العقل.*
____________________
منتدى النورس الثقافي الدولي.