السبت 23 أغسطس 2025 03:14 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

أدب وثقافة

الشاعر محمد أبو العزايم يكتب : حتى تتلاشى

الشاعر محمد أبو العزايم
الشاعر محمد أبو العزايم

ضُمَّ إلى بعضِك بعضَكَ ،
واقفز فوق حصانِ تداعيكَ
وجرجِرْ مِزوَلةَ الوقتِ وراءكَ مُنطلقًا عكسَ مسارِ الزمنِ
وواصِل حتى ما قبلَ زمانِ الذاكرةِ الأولى ،
وامسح من دفترِ أحوالِ الميلادِ اسمَكَ ،
ضُمَّ إلى بعضِك بعضَكَ ،
واخرُج من برد كوافيلكَ
واترك ثديَ الأُمِّ
وضُمَّ إلى بعضك بعضَكَ
واسحب مِلعَقَتكَ من مائدةِ أبيكَ ،
وزحزِح أخوتك قليلًا حتى تنسدَّ الفُرجَةُ بَعدكَ
واقسِم بين جيوبِ أشقائكَ بالعدلِ قروشَ المصروفِ اليوميِّ
ولا تَكُن الطفلَ الماشيَ بينَ عيالِ الشارعِ
في سِكَّةِ أول مدرسةٍ عرفتْكَ ،
وضُمَّ إلى بعضِكَ بعضَكَ
واسرقْ من دُرجِ مراهقةٍ - كانت تهواكَ-
رسائلَ حبٍّ ساذَجةً كُنتَ كتبْتَ
وضُمَّ إلى بعضِكَ بعضَكَ
مَزِّقْ تذكرةً لقطارٍ أوَّلَ شالَكَ للقاهرةِ
قطارٍ مَدَّ قضيبيهِ يُقلِّبُ في الألوانِ ؛ فأخرجَ هذا الأبيضَ ؛
فصَّلَ مِعطَفكَ الأبيضَ مِنهُ لكي تقتاتَ ،
وأكفانَ الشاعرِ كي تقتاتَ على روحِك نصفُ حياةٍ ،
فاخلع معطفكَ الأبيضَ ، واخرج من أكفانكَ
كى تَلقى موتَكَ نِدًّا للندِّ
وتكتبَ مَرثيتَكَ بنفسكَ
حتى إن قيلَ بأنَّ الشاعرَ معطفُكَ الأبيضُ
أو قيلَ بأن الشاعر لم يكُ شيئًا
أولَى بكَ أنتَ ، وأنتَ مُريدوكَ
فضُمّ إلى بعضك بعضَكَ
واقرأ مرثيتكَ على نفسكَ ، واطرَبْ لهزيمتكَ الأجملِ
واخرج مُنتصرًا فرحانَ ،
ولا ترجعْ زعلانَ إذا أخفقتَ ؛ فإنكَ في شيئين اثنينِ ستُخفقُ :
تُخفِقُ حينَ تحاولُ أن تُفلِتَ من أيدي رِفْقتِكَ يديكَ ؛
فإنَّ الأيديَ ليست مشتبكاتٍ في الأصلِ ،
وتُخفقُ حينَ تُحاولُ
أن تمحوَ أثرَ خطاكَ على أسفلتِ الميدانِ ؛
فأثَرُ خُطاكَ احتالَ " كروموسومًا" في تكوينِ رفيقٍ لم يولد بعدُ ،
سيولدُ أوسعَ صدرًا منكَ ،
وأضيقَ مِنكَ خيالًا ،
فاهتف من لحدكَ في الأرضِ وراءَ رفيقِكَ هذا حتى تتَّزِنَ على الأسفلتِ خطاهُ إذا هتفتْ سمواتٌ كانتْ تمشي جنبَك في الميدانِ
ولكنَّ الدائرةَ اختارتها لتَكونَ السُّحْبَ وأبقَتْكَ لدَورِ النهرِ ؛ فليس سوى أن تنفلِقَ الآن ليعبُركَ رفاقٌ آتونَ غدًا لبلادٍ أرحبَ
ضُمَّ إلى بعضك بعضكَ ،
واحرِقْ أشعاركَ ثم اصرخ مبتهجًا ؛
لَنْ تنكشفَ على العالمِ سوءاتُكَ ؛
إنكَ أتفَهُ من أن تَحفظ أصحابُكَ أشعارَكَ ،
سيقولونَ مرَرْتَ خفيفًا ،
وخفيفٌ _ حقٌّا _ أنت الآنَ ، فعُد مرضيًّا ،
واستلقِ بقلبِ قصيدتكَ الأوفى لكَ منكَ ،
ومن دفترِ أحوال الميلادِ ، ومن ثدي الأمِّ
ومن مائدة أبيكَ ، ومن مِعطفك الأبيضِ ،
من شعرٍ كنت قرأتَ وشعرٍ كنت تمنَّيتَ
فضُمَّ إلى بعضكَ بعضَكَ
منتظرًا موتكَ وحدكَ ،
مُدَّ يديكَ الآن وأسبِل جفنيكَ على عينيكَ ،
وضمّ إلى بعضكَ بعضكَ أكثرَ
حتى تَضمُرَ
حينذٍ يصغُر حيِّزُكَ
ويصغرُ،
يصغرُ
يصغرُ..
حتى تتلاشى.

​​​

ابو العزايم